تواصلاً مع الموضوع الذي تطرقنا إليه بالأمس عن الفقراء والمساكين، الذين شملتهم المكرمة الملكية بالحصول على في المئة من القيمة الفعلية لجميع العقارات التجارية الحكومية، والمقامة في منطقة ضاحية السيف... بعد موضوع الأمس تلقيت الكثير من المكالمات الهاتفية، والرسائل الإلكترونية والمسجات، التي تتحدث جميعها عن عملية الظلم الواقع على المساكين (الذين بالكاد يعرفون وضع البصمة بدل التوقيع) من الأرامل وأمهات اليتامى... وبهدلتهم وتوقيفهم في طوابير متعبة، في سبيل الحصول على ديناراً، هي مقدار ما درته عليهم أسهم كانوا يعتقدونها كنزاً...
جميع المتحدثين معي بالأمس أبدوا الكثير من الاستغراب من حجم المبالغ التي وزعت على الفقراء (المساهمين) بالقياس بحجم المداخيل الشهرية لشركة عقارات السيف... أحدهم أبلغني بأنه (وبطلب من جاره) كان قام بتوصيل أحد الفقراء الذين حصلوا (من ضمن المكرمة) على أسهم في عقارات السيف، إلى مبنى شركة المحاسبة التي كانت توزع الأرباح... ومن ثم انتظره لمدة أربع ساعات، وبعدها أعاده إلى البيت، وبالطبع كل ذلك كان تطوعاً ولوجه الله... يقول محدثي لو كنت أعلم أن هذا الفقير المسكين (صاحب العائلة) سيتمرمط ويتغربل (فقط) ليتسلم مبلغ ديناراً لكنت أعطيته هذا المبلغ من جيبي، والحمدلله أني أوصلته ولم يستأجر تاكسي...
أحد الذين اتصلوا يقول ان المكرمة الملكية كانت إعطاء كل فرد من الذين اختاروهم، عدد خمسة آلاف سهم وقيمة السهم الواحد مئة فلس... قلت له يابلاش، قيمة السهم الواحد روبية واحدة ما يعني أن كل فرد من الفقراء حصل على أسهم بقيمة خمسمئة دينار بحريني... والحسبة الطريفة والعجيبة أن عدد المستفيدين (بحسب ما هو معلن) يقارب الثلاثين ألفاً، وهم يشكلون في المئة من قيمة الشركة الفعلية، ما يعني أن القيمة الكلية للشركة هي خمسون مليون دينار بحريني... تصدقون؟...
هل يمكن أن يكون هناك إنسان عاقل ويصدق أن قيمة المجمع التجاري، وموقف السيارات الضخم، والعدد الكبير من المطاعم، والسينمات والمباني الأخرى، ومعهم الأرض الكبيرة... كل هذا بس بخمسين مليوناً... كيف يكون ذلك وقيمة الأرض فقط تفوق المئة مليون، ونحن نعلم أن الاستثمار في العقار يعني قيمة الأرض مضافة إلى قيمة البناء، قل كيف؟... طيب لنحسبها بطريقة أخرى، إذا كان هناك مجمع تجاري معروف (لا أريد ذكر اسمه) استأجره أحد المستثمرين بإيجار شهري يبلغ ألف دينار، ما يعني أن الربح الصافي لهذا المجمع يعادل المئة ألف دينار شهرياً، وحجم هذا المجمع واستثماراته تعادل ربع حجم واستثمارات مجمع السيف، وبمعادلة بسيطة يكون الربح الشهري الصافي لشركة عقارات السيف ألف دينار، والمفروض أن يوزع من هذا المبلغ على الفقراء ألف دينار شهرياً، وبواقع أربعة دنانير على الفرد الواحد...
بهكذا حسبة (والله دودهوني في حسبتهم هالمساكين) يكون كل مساهم منهم يحصل على ديناراً سنوياً، والمفترض أن يكون المبلغ المتسلم عن أربع سنوات هو ديناراً وليس .,, فأين ذهبت باقي المبالغ؟ قولوا لي أين يا محاسبين يا شاطرين؟... الحسبة كبيرة ونحن نتحدث عن مئات الملايين من الدنانير المهاجرة التي لا نعرف أين مستقرها، وهي أموال اليتامى والمساكين التي شفطت وسحبت وأخفيت ثم (تدعست) هنا وهناك... الناس الشافطين يعتقدون بأن الذين شملتهم المكرمة الملكية هم من الفقراء (الجاهلين) وسوف لن يتمكنوا من القيام بالحسبة الصحيحة، وإذا أعطيناهم ستة دنانير وربع عن كل سنة فهم سيحسبونها بالروبية أو ربما بالفلس فتكون في عقولهم أرقام كبيرة، لكنهم نسوا أنه يوجد رب للعباد لا ينسى أحداً...
لو كنا في دولة من الدول المتقدمة، والتي تعمل مناظرات تلفزيونية على الهواء (بث مباشر وما فيه تقطيع) لكنا عملنا مناظرة مع مديرة الشئون الإدارية والمالية بشركة عقارات السيف، لتعلمنا عن حسبتها الغريبة والعجيبة، التي أوصلتها إلى ظلم الفقراء، لكنا أثبتنا لها أنها إذا كانت تأكل التمر فنحن من واجبنا أن نحسب عليها الطعام... نقول لو..
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ