يحب كبار المسئولين في الإدارة الأميركية اقتصار عمليات العنف الإرهابية التي تقع في العالم والتخطيط لها على جماعات متشددة تنتمي دائماً إلى الإسلام، ما يوحي للغربيين بأن المسلمين وحدهم والعرب خصوصاً لا يعترفون ولا يتسامحون مع الرأي الآخر. بيد أن المشتبه فيهم الذين اعتقلوا في ميامي الأميركية والمتهمين بالتآمر لنسف برج سيرز في شيكاغو ليست لهم صلة بالجماعات الإسلامية. كما أن العالم عرف في الماضي منظمات إرهابية غير إسلامية. فخلية ميامي التي شغلت الأميركيين هذه الأيام مكونة من سبعة أشخاص خمسة منهم أميركيون والاثنان الآخران أجنبيان أحدهما مهاجر غير شرعي من هاييتي.
إذاً، ينبغي على الإدارة الأميركية إيجاد تعريف جديد للإرهاب وألا تقتصر الحرب عليه على الجوانب العسكرية، طالما أسبابه تتعدد من مكان إلى آخر، قد يكون منها الظلم والتمييز والاضطهاد. فالإنترنت تلعب اليوم دوراً رئيسياً يسمح لمن أراد أن يخرب بالحصول على المعلومات أو تمريرها في سرية تامة. وهناك - وفقاً للمختصين في شئون الإرهاب - ما يتراوح بين آلاف و آلاف موقع على الشبكة العنكبوتية تشجع المتطرفين على بث أفكارهم، ما جعل بعض المسئولين الأميركيين الواقعيين يعترفون بأن الظاهرة أصبحت مختلفة عن المفاهيم التقليدية. لذلك، تحدث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت موللر عن «تغير شكل الإرهاب»، الأمر الذي تمخض عن تهديدات جديدة من إرهابيين محليي الصنع.
وهكذا، بينما قطعت أميركا وفقاً لمسئوليها شوطاً بعيداً في شل النماذج التقليدية للإرهاب، فإن نماذج العولمة والتكنولوجيا خلق سلالة جديدة من التطرف. وربما يثبت المستقبل القريب أن مثل هذا النوع من التطرف لا يقل خطورة عن تنظيم «القاعدة» إن لم يزد عليه مادامت الولايات المتحدة ماضية في ظلمها للشعوب وساعية للهيمنة على العالم. فثمة حاجة الآن إلى جهد دولي للتصدي للإرهاب بجميع أشكاله واجتثاثه من جذوره عبر نشر العدل والمساواة والاعتراف بحق الآخر، سواء أفراد أو جماعات أو دول، في السيادة على ترابه وثرواته، ومن ثم يبقى دور الأجهزة الامنية مواجهة المنظمات الأخرى المارقة على الإجماع عبر كشفها وتصنيفها وتفكيكها قبل تنفيذ خططها
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ