كانت الأمم المتحدة فيما سبق وبمنظار ضيق للتنمية، قد حددت هدفها التنموي في زيادة سنوية في الناتج القومي الإجمالي مقدارها في المئة، وذلك من أجل ضمان ارتفاع دخل الأفراد. وقد بدأت منذ أواخر الستينات بالتراجع عن نظرتها الضيقة لمفهوم التنمية هذا، وألحقت تراجعها هذا بإضافة بعد آخر، إذ أعلنت وجوب تحسن مضطرد في رفاهية الأفراد، وفي عدالة التوزيع لثمار التنمية، وان عملية التنمية تعد فاشلة إذا بقيت الامتيازات والغنى الفاحش، لأن هذا يعني بالضرورة وجود ظلم اجتماعي. هذا ما أشار إليه عادل خليفة في كتابه اقتصادات الدول العربية وتحديات التنمية.
ولكي نقيس مدى اقترابنا من مفهوم التنمية الآنف الذكر والذي ينشد إشباع الحاجات لأكثرية الشعب، نمعن النظر في متوسط دخل الفرد في البحرين والمتمثل في ديناراً، فنجد أن هذا المتوسط عال نوعاً ما، ولكن السؤال عن مدى اقتراب هذا الرقم من الواقع وبعده عنه؟ طبيعي لابد من التفاوت بين البشر نتيجة تفاوتهم في القدرات والإمكانات، إضافة لخواص تتعلق بتعريف مجمل الدخل المحلي، لذلك لا يمكن توقع الاقتراب من هذا الرقم لكل فرد في الواقع العملي، ولكن المشكلة أن واقع الأكثرية من الأفراد والأسر يتحدث بصوت عال عن وجود فارق شاسع وغير معقول، يقاس بالسنوات الضوئية بينه وبين هذا الرقم المتمثل في ديناراً للفرد، ويكفي أن في المئة من المواطنين أي ما يقارب ألف فرد من الذين يعملون في القطاع الخاص رواتبهم تقل عن دينار، ولو كان الفرد منهم يعول أسرة تتكون من أشخاص، فهذا يعني أن نصيب الفرد لهذه العوائل يقل عن ديناراً شهرياً، مع أن نصيب هذه الأسرة من الدخل عبارة عن × = ديناراً، وللعلم فقد حددت إحدى الدراسات السابقة قبل عدة سنوات، حداً أدنى للدخل لأسرة بسيطة لا يقل ديناراً.
ولو تمت مقارنة الواقع المتردي الذي تعيشه غالبية الأسر البحرينية كما تم إثباته مراراً بالأرقام، وأضفنا إلى ذلك وجود الآلاف من العاطلين عن العمل، بجانب وجود ألف من الأجانب، الغالبية الساحقة يعملون برواتب متدنية جداً في مقاولات البناء والخدمة في المنازل والتنظيفات، ولأن أولئك وهؤلاء جميعاً مشمولون بمتوسط دخل فردي مقداره ديناراً، فإن هذا يعني وجود تفاوت فاحش في الثروة، ويدلل على وجود أقلية متخمة لأقصى حد في قبال أكثرية تحتاج إلى إنعاش، إذ «ما جاع فقير إلا بما متع به غني» كما يقول الإمام علي (ع). وفي الوضع الحالي، فإن العناية بالخدمات ودعمها بصورة أفضل وبجدية أكبر من قبل الدولة، يهون من الهم الذي يجلبه تدني الدخل، إذ في ذلك تخفيف كبير عن كاهل غالبية الأسر، خصوصاً في الخدمات الضرورية التي تستنزف دخلها، كالتعليم والإسكان، وفي الدول المتقدمة الغربية قدوة في هذا المجال كما سنرى في مقال قادم. والمؤمل من الحكومة تطبيق ما يصرح به كبار مسئوليها، سواء على مستوى الإسكان كالسعي مثلاً لمنح قطعة أرض لكل مواطن، أو رفع الرواتب المتدنية وغيرها من تصريحات، وان يكون كل ذلك مشمولاً في موازنة .
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1391 - الثلثاء 27 يونيو 2006م الموافق 30 جمادى الأولى 1427هـ