افتتح عصر أمس مهرجان «ثمار الخير»، بعد ولادةٍ متعسّرة، سببتها العقلية البيروقراطية في وزارة التربية والتعليم. والموضوع يقدّم مثالاً آخر للإشكالية التي تعيشها العلاقة بين الرسمي والأهلي. وهي علاقةٌ تحتاج إلى علاجٍ طويل، لئلا تظل محكومة بالشك والارتياب وسوء التعامل الذي يصل أحياناً إلى درجة الاحتقار.
لسنا بحاجةٍ إلى التذكير بما حصل للصناديق الخيرية المهتمة برعاية الطبقات الفقيرة في البحرين في الشهور الأخيرة، من عددٍ من الجهات الرسمية، فالموضوع مازال طرياً في ذاكرة الكثيرين، ولكن ما حصل للمهرجان «الزينبي» أخيراً، يتعدى إطار وضع العراقيل أمام العمل الأهلي، إلى نوعٍ من الاحتقار الشخصي المتعمّد والإهانة الجماعية، وسوء استغلال المنصب.
المهرجان يشارك فيه صندوقاً خيرياً، وبالتالي فإن اللجنة التنظيمية تمثل أكثر من ألف نسمة على أقل تقدير، إذا اعتبرنا ان كل صندوق يخدم ألف نسمة فقط. بل إن الصندوق المستضيف (الصندوق الخيري للبلاد القديم والزنج وعذاري والصالحية) وحده يخدم أكثر من ألفاً. فنحن بالتأكيد أمام كتلةٍ بشريةٍ تزيد على خمسين ألفاً، تنتظم في فعاليات المهرجان. من هنا يتضاعف حجم الإساءة من جانب الوكيل المساعد بوزارة التربية لممثلي هذه المجموعة البشرية الكبيرة.
للتوضيح... الساعة التاسعة صباح الأربعاء، قصد بعض أعضاء اللجنة التنسيقية الوزارة، للحصول على رسالة موافقة مكتوبة بعد الموافقة الشفوية، دون أن يبدي «سعادته» أي استعداد لسماعهم حتى الساعة , ظهراً، على رغم توسلهم إليه بتسهيل الأمر، بل أجابهم باحتقار: «ما عندي كلام آخر».
في صباح السبت، ذهبت سيدة ورجلان من اللجنة، وانتظروا أمام مكتبه حتى الساعة , ظهراً، فرفض مقابلتهم. وأعادوا المحاولة يوم الأحد، من الساعة , صباحاً، حتى , ظهراً، فلم يجدوا غير مزيد من الاحتقار و«العنترة». بعدها بدأوا يتصلون بعددٍ من النواب للتدخل، وابتدأت الاتصالات بالصحافة، وأخذنا في «الوسط» نتابع الموضوع من الساعة الثانية، وعند الساعة , تقريباً، تلقى أحد الزملاء اتصالاً شفوياً يفيد بأن الوزارة ستوافق. وعند الساعة , مساء، وصل فاكس مكتوب على عجل بخط اليد، ويبدو أن الجماعة اكتشفوا الفخ الذي أوقع فيه الوزارة.
الفاكس متهافتٌ أصلاً، فقد كتبت مديرة العلاقات العامة والإعلام ان التربية بعد «التنسيق» مع «وزارة التنمية» قرّرت الموافقة! (ولا ندري لماذا لم توافق وقت الدوام!) وأضافت إلى معلوماتنا الشحيحة أن «الوزارة تطبّق آلية واضحة في الترخيص منذ مدة طويلة»!
المسألة بصراحة أكبر من حماقةٍ إدارية، تسبّبت في إرباك مشروع خيري كبير لصالح الفقراء، بل هي عقدةٌ تتحكم في سلوك «المتعلّم» العربي (ولا أقول المثقف). فما أن يصل إلى منصب حتى يبدأ ينظر إلى خلق الله باستصغار واحتقار ودونية. فما الداعي للصراخ بوجه ممثل صندوقاً خيرياً: «لن أسمح لك بالجلوس غير دقيقتين»! أي سلوك حضاري هذا؟ إنها أزمةُ ثقافةٍ وأخلاقٍ وسوءِ إدارةٍ أيضاً.
لا نريد أن نتوقف عند الإسم إطلاقاً، فهناك عشرات أو مئات المسئولين المصابين بهذه العقد، فالمسئول العربي الذي تلقى تعليمه في جامعةٍ أجنبية، لم يتعلم من الأجانب كيف يحترمون بني جلدتهم. والشهادة العالية لا تعلّم حاملها مكارم الأخلاق، ولا حتى الأخلاق التجارية أو «النفعية» في حدها الأدنى. ولا غرابة، فالشهادة الجامعية ليست أكثر من دراسة أربعين أو خمسين كتاباً مقرراً، وذلك حتماً لا يبيح للجالس على كرسيٍّ زائلٍ إهانة كرامة البشر بكل تأكيد
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1390 - الإثنين 26 يونيو 2006م الموافق 29 جمادى الأولى 1427هـ