العدد 1390 - الإثنين 26 يونيو 2006م الموافق 29 جمادى الأولى 1427هـ

التنمية المستدامة (1)

حسن العالي comments [at] alwasatnews.com

جرى تعريف التنمية الاقتصادية منذ مطلع الستينات بأنها «العملية التي يتم بواسطتها، في بلد معين، تزايد مطرد في متوسط الدخل الحقيقي للفرد عبر فترة طويلة من الزمن». ويلاحظ أن التعريف يؤكد أن التنمية عملية وليست حالة، ولذلك اشترط اطراد تزايد الدخل الحقيقي للفرد سنوياً، عبر فترة طويلة من الزمن لا تقل عن عقدين أو ثلاثة، وذلك تعبيراً عن وجود تحولات هيكلية تؤدي باستمرار إلى مزيد من نمو القدرات وإطلاق الطاقات التي تعكس نفسها في زيادة إنتاجية الفرد وإنتاج المجتمع. أما النمو الاقتصادي (economic growth) فإن تعريفه المتفق عليه في علم الاقتصاد - كما توصل إليه أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد، سيمون كوزنت عند دراسته التاريخية المقارنة للنمو الاقتصادي في الدول المتقدمة - يؤكد أن النمو الاقتصادي هو «الزيادة المستدامة (sustained) في متوسط إنتاج الفرد أو العامل». وبذلك نجد أيضاً أن النمو الاقتصادي يعني وجود اتجاه مستمر غير متأرجح لنمو إنتاجية الفرد عبر فترة طويلة من الزمن (هذا وإن كان نمواً تلقائياً مقارنة بعملية التنمية).

الا ان هذا المفهوم المبسط للتنمية اثبت فشله الدريع حينما باتت الكثير من دول العالم تشهد نمواً اقتصادياً مطرداً تزامن معه زيادة الاغنياء غنى والفقراء فقراً. فلقد بات من الواضح ان النمو الاقتصادي بحد ذاته لا يحقق التنمية بمفهومها الاجتماعي سليمة حينما لا تزامن معه اية اهداف وآليات تطال الشرائح الاوسع في المجتمع. من هنا بدأت الامم المتحدة ومنذ الثمانينات بوضع تعريفات جديدة للتنمية باعتبارها عملية حضارية مستدامة وحقاً من حقوق الانسان، حيث تعتبر «التنمية الشاملة عملية مجتمعية واعية ودائمة (sustained) موجهة وفق إرادة وطنية مستقلة من أجل إيجاد تحولات هيكلية وإحداث تغييرات سياسية - اجتماعية - اقتصادية تسمح بتحقيق تصاعد مطرد لقدرات المجتمع المعني».

وقد تم، أخيرا، التأكيد على عناصر تعريف مصطلح التنمية الشاملة - السابق ذكره - عندما أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مصطلح التنمية البشرية على عملية التنمية المرغوبة، وعرفها بأنها «عملية توسيع نطاق الخيارات المتاحة للناس». وقد أخذت تقارير التنمية البشرية - الصادرة سنوياً عن البرنامج - على عاتقها توصيف مفهوم التنمية البشرية وتحديد مقوماته والقيام بتطوير مؤشراته الكلية والجزئية، الكمية منها والكيفية.

وقد أكد تقرير التنمية البشرية الأفق الزمني، كما أكد العدالة بين الأجيال من خلال تأكيده ضرورة اطراد تحسن مؤشرات النمو والتحول، واستخداماتهما متصاعدين عبر الزمن. وفي ذلك تأكيد على أن التنمية عملية وليست حالة، واتجاه مستمر في النمو وليست مجرد وضع طارئ مرهون بسببه، يتقلب صعوداً وهبوطاً تعبيراً عن فقدان المقومات الذاتية ونتيجة لارتباط التغيير بوضع طارئ أو عوامل خارجية. ويوصف تقرير التنمية البشرية بأنها نموذج للتنمية «يمكن جميع الأفراد من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حد ممكن وتوظيف تلك القدرات أفضل توظيف لها في جميع الميادين (...) وهو يحمي أيضاً خيارات الأجيال التي لم تولد بعد. ولا يستنزف قاعدة الموارد الطبيعية اللازمة لدعم التنمية في المستقبل». ويخلص التقرير إلى أن «التنمية المستدامة تعالج الانصاف داخل الجيل الواحد والإنصاف بين الأجيال» (...) «وفي التحليل الأخير، التنمية البشرية المستدامة تنمية موالية للناس، وموالية لفرص العمل، وموالية للطبيعة. فهي تعطي أعلى أولوية للحد من الفقر، وللعمالة المنتجة، وللتكامل الاجتماعي، ولإعادة توليد البيئة» (...) وهي تعجل بالنمو الاقتصادي وتترجمه إلى تحسنات في حياة البشر من دون تدمير رأس المال اللازم لحماية فرص الأجيال المقبلة

العدد 1390 - الإثنين 26 يونيو 2006م الموافق 29 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً