العدد 1389 - الأحد 25 يونيو 2006م الموافق 28 جمادى الأولى 1427هـ

الأفكار التصحيحية ورؤية النور

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

تأتي خلفية هذا المقال وتكملته التي ستليه إثر مقال نشره المكرم عبدالعزيز القاسم رئيس التحرير والمشرف على ملحق صحيفة «المدينة» السعودية، المعروف بـ «الرسالة»، أما مقال الكاتب عبدالعزيز فكانت خلفيته هي الندوة الاحتفائية بالشيخ حسن الصفار التي أقامها المكرم والوجيه المعروف الشيخ عبد المقصود خوجة في اثنينيته بجدة.

كم هو صعب في مجتمعنا العربي الحبيب أن تكون مفكراً أو مبادراً أو جريئاً في الإعلان عن مواقفك وآرائك، وكم هو مرير جداً أن تكون مصلحاً متطلعاً تحركك قناعاتك وإحساسك بواجبك، فتسعى نحو الخير والصلاح لأهلك. وإذا ما قلت للصعوبة سأحاول وهمست للمرارة انك ستتحمل، وعاكست الظروف المثبطة، إذاً فلتستعد للسهام الهوجاء المنطلقة، وللاتهامات المجردة عن كل دين وضمير وخلق، لأن حياتك ستتحول كلها إلى أزقة حرب مفتوحة، وسترى نفسك في كل موضوع (تعالى في مكانته أم استتفهته واستصغرته) بين مطرقة وسندان، مطرقة الجماهير ذات الوقع الشديد الذي لا يرحم، وسندان الظروف التي لا تستجيب إلا لماماً وببطء السلحفاة.

اتهامات يتفنن الشيطان في صنعها فتجري على ألسنة الناس الهواة، اتهامات بالعمالة والمهادنة والخيانة والتنازل عن قيم الدين، وثوابت العقيدة، وأركان الإسلام، وأجب إن كنت تسمع الموتى وكما يقول الشاعر:

قد قيل ما قيل إن صدق وإن كذب

فما اعتذارك من قول إذا قيل

طبعاً نفوس الناس يا أستاذ عبدالعزيز طيبة، وسجاياهم حسنة، لكن الشحن البغيض وثقافة الكره والتخريب لها من يحركها من عصابات المهمات القذرة في كل مجتمع، مهما تعدد وتنوع الشعار الذي تختفي وراءه تلك العصابات.

ذاك هو حديث عامة الناس وما تثيره مجالسهم العادية البسيطة، لكن هناك أصواتاً أخرى هي من المثقفين ومن يحسب عليهم ويصنف إلى جانبهم، أصوات تحمل نبرة التظلم والتذمر، فيصيغون موقفهم باعتبارهم مهمشين ومتآمر عليهم، ولا يطلعون على الأمور إلا بعد تخصيبها ووصولها إلى قاب قوسين أو أدنى من الاستخدام الخادع، وأنهم لا يدعون ويطلعون على الأمور إلا للاستفادة والتبرك بمواقفهم، وتمليح الطبخة بأسمائهم، لذلك ينأون بأنفسهم عن العمل والنشاط لشروطهم التعجيزية والمبالغة في الاعتداد بدورهم وبأنفسهم، وكأنهم القوة التي إن غضبت توقفت حركة الحياة وان رضيت صنعت المعاجز. هذه الكأنية كذبها الواقع ومازال يقطع أشلاءها ليثبت أن العمل والنشاط والمبادرة والفكر المعطاء النير هي التي تعطي الحضور والتأثير وتفرض التغيير في الواقع مع كل النعيق والضجيج المفتعل.

ذاك هو الوضع الذي يعيشه الشيخ حسن الصفار في مجتمعه كما أرى وأسمع وأبصر وألاحظ وأحلل، وأقصد بمجتمعه هنا مجتمعه الإسلامي الشيعي الخاص الذي يفتخر بانتمائه إليه، وهذه الصورة التي عكستها لا تمثل إلا جانبا من المعاناة والألم، والذي قرر الشيخ الصفار ومنذ نعومة أظفاره، وليونة جلده، وسهولة أن ينال منه، أن لا يستجيب له ولا يخضع لضغطه على حساب قناعاته، وهذا يعرفه كل الجيل الذي عايش الشيخ يافعاً وشاباً إلى يومنا هذا، فكيف به وهو الآن في هذا المستوى من التجربة والنضج والوعي والتفكير.

أردت بما سبق يا أستاذ عبدالعزيز أن أبين أن قولك عن «تذرع الشيخ بالنضج والزمن»، ليس له موقع من الإعراب في سجل الشيخ، ولك أن تستنطق لحظات ذلك السجل ومفاصله بحلوها ومرها، وماضيها وحاضرها لتسمع صوتها يجلجل بالآية القرآنية المباركة «الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه لا يخشون احداً إلا الله وكفى بالله حسيبا (الأحزاب: ).

بقي أن أوفق لتقريب الصورة الأخرى لمجتمعنا، وهي صورة كبيرة جداً، لا أقول عرضها السماوات والأرض، لكنها تملأ قلب المصلح إحساساً بالرضا، وتحفز نفسه لخدمة أهله ومجتمعه، إنها الصفاء والنقاء لدى الشريحة الكبرى من أبناء المجتمع، والوعي الذي تزداد رقعته يوماً بعد آخر، والمناصرة التي يعجز الشكر عن مكافأتها.

وهناك الأقلام المثقفة والواعية وهي للحق غالبية مثقفي مجتمعنا والسواد الأعظم من أقلامه. إنها ساحة كبيرة وبحر واسع يتحرك فيه الشيخ الصفار، وهو في زيادة ومد كلما كان الشيخ في نشاط ومبادرة وعطاء... «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى» (النجم: ).

أخي عبدالعزيز... لكثيرين من بلادنا الكبيرة «السعودية» قرأت مقالات وكتابات كانت تحث الشيخ الصفار على المضي في الإصلاح، وأن أمامه طريقاً طويلاً، وأن مذهبه يحتاج إلى الكثير من النقد الداخلي والإصلاح الجذري، كل ذلك قرأته وسمعته مشافهة مراراً وتكرارا، لكن لم أتوقع أن تخطه أناملك يا سيدي الكريم، في مقالك «الشيخ الصفار في اثنينية الخوجة»، في «الرسالة»، (ملحق صحيفة «المدينة» السعودية) بتاريخ مايو/ أيار الماضي لقد كانت العبارة التي قرأتها قاسية جداً: «إنني هنا أدعو الشيخ حسن الصفار إلى أن يخطو خطوات أكبر نحو تجديد وتصحيح كثير من الآراء الجامدة في الفقه الجعفري، وآن الأوان كي يفسح لآرائه التصحيحية أن ترى النور داخل منظومة الفكر الشيعي، متجاوزاً ما كان يتذرع به في السابق، أي مراعاة النضج والزمن».

ولي مع كلمات المقال همسات محبة في أذني الأستاذ عبدالعزيز:

الأولى: ينطلق الشيخ الصفار من قناعاته التي يعتقدها، ويراها من صميم مذهبه وعقيدته ولا يتحرك ركضاً وراء تقدير الآخرين من أبناء بلدنا الكبير ولا يلهث وراء إعجابهم، وليس هذا مما يحث خطاه ويحرك خطواته نحو إبداء آرائه وقناعاته، فالمصلحون والمجددون (مجاراة لمفردتك) لن يكونوا مصلحين ومجددين وجل همهم ومبتغاهم هو تقدير هذا وذاك لهم أو إعجابه بهم.

وما أبداه الشيخ من رأي بشأن بعض ممارسات عاشوراء نابع من قناعة ترسخت في نفسه، فبحث وفحص وسأل واستشار، وحين استحكمت القناعة عنده لم يتأخر عن الكشف عنها، والقوة في عرضها على مجتمعه، وعبارتك يا أستاذ عبدالعزيز (تلقفها المهتمون بكثير من التقدير لهذه الشجاعة الأدبية التي انعكست إعجاباً بنضج فكر الشيخ الصفار ومن معه)، لا تشبع شيئا في نفس الشيخ ولا تدغدغ شعوراً، ولا تدفع لأي أمر على صعيد عقيدته وفقهه، لأنها لم تكن محركاً في لحظة من اللحظات

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1389 - الأحد 25 يونيو 2006م الموافق 28 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً