العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ

سياط ابن الجلاد

معاذ المشاري muath.almishari [at] alwasatnews.com

عندما استخدم الجلاد قبل عهد قريب المفك والمكواة والمثقاب لتعذيب شباب البحرين، والتنكيل بهم والنيل من كرامتهم، واحتقار ما تبقى لهم من حق إنساني أقرته جميع الشرائع، وارتضته جميع الأعراف، بقي لذلك الجلاد الأرعن أن ينعم بتقاعد مريح، وشيخوخة غفر لها ما تقدم من ذنب، وبعيش يفترس ألم الناس أو حتى حقهم المدني بلغة القانون، وبعد أن تلطخت يداه بعار الضيافة، وسجله القمعي بسواد الصفحات، لم يجد بداً من تسليم الراية لخلفه، فلم تعد أدوات النجارة صالحة لتعذيب البشر، ولم تعد لحوم الناس طيعة كما كانت، فتلقفها ولده المتغطرس مواصلاً مسلسل الاقصاء والقمع، ولم يبق له من أدوات أبيه سوى لسان متسلط ونظارات تغطي نصف عينيه وقلم أجير ذي حبر سري. يتفنن في توزيع ما سقط من الكلام، ويتلذذ بتدبير المؤامرات وصوغ القرارات التأديبية الكيدية بحق البحرينيين، تمهيداً لاستبدالهم بآخرين يعشقون تذوق ما تيسر من «الجبنات والزيتونات».

كان يعمل في ميادين الحمام، وبعد تصفية عدد من كبار الموظفين ادارياً، انتقل إلى مكتب أشبه بعرش صغير، متربعاً على كرسي الوجاهة، إذ يوحي إليه أفكاراً ونوايا لنبذ واقصاء ما تبقى من شرفاء وزارته الخدمية، ليأتي الرد سريعاً من المسئول صاحب الوعود الكاذبة على شكل اجراء اداري بريء، سرعان ما يتحول إلى تصميم وهدف غير معلن لتطهير بعض الوزارات من منتسبيها، والإعداد لقوائم جديدة لا ترى لا تسمع لا تتكلم.

استقبل الجلاد الصغير قبل أيام موظفا تعدى الخمسين من عمره، يعاني من المرض والآلام وشدة الحياة، فما كان من الجلاد إلا توبيخه على ضعفه، وزجره شماتة بآلامه، ولم يشفع لابن البلد هويته، ومواطنته المغيبة في نصوص القانون، ولم تكن تلك السنوات الطوال التي قضاها في خدمة الحكومة منقذا أو حتى حاجزاً يحول دون تمرد عناصر المخابراتية المدنية في وزارات الدولة، ولا يعجب المرء إذا اكتشف وجود أجندة خاصة تهدف إلى إضعاف المواطن والتضييق عليه، بهدف إبعاده عن المواقع التي تعاني من الفساد المالي والإداري.

عندما سالت دموع الموظف في مكتب الجلاد الصغير، تحطمت معها مبادئ وقيم تربى عليها الإنسان البحريني، فاحترام الإنسان وتقديره إذا تقدم به العمر يعد سلوكا فطرياً تشبعت به هوية المجتمع البحريني المحافظ، وعقيدة سامية تعارفت عليها جميع الديانات والمذاهب الفكرية، لكن من لا مذهب له ولا غيرة في قلبه على بلادنا، فتراه متحللاً من احترام الوطنية، متنكراً لجميع أحرف هذا الوطن، بسادية مستوردة تخفي وراءها بذور الاستنزاف وأعشاش الانانية، ويعلن بكل ثقة واقتدار عن استعداده لاستيراد وزارة بأكملها، تخدم الوطن أكثر ما يخدم أبناؤه، وتغار عليه بتكسير ابن البلد وتصفيته إدارياً...

دام عز الحكومة بصمتها عن هؤلاء، والمجد لمجلس النواب إذ تحول إلى نقابة السادة الوزراء، أما أنت أيها الموظف البحريني، فأما أن تصبر كصبر أيوب وزينب، أو تعلنها في وجه الحق والقانون بأنك إنسان احترمك العالم قبل أن يراك، بينما تبحث عن الاحترام في أرض تبادلت معها أنبل المشاعر وأصدقها

إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"

العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً