العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ

«الزبدة اليمانية» تسيح مبكراً!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم تكد تمضي غير ساعة على وعد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعدم الترشح للرئاسة، ليقدّم «نموذجاً» للتبادل السلمي للسلطة في الوطن العربي كما قال، إلاّ وقد ساحت الزبدة «اليمانية». ففي يوم الأربعاء الماضي صرّح قائلاً: «كفى عاماً من الحكم»، ووعد العالم بأن يقدّم «تجربة فريدة ونموذجاً رائعاً في الوطن العربي»، إلا انه سرعان ما تبخّرت الطموحات تحت ضغط الجماهير!

فأمام حشدٍ جماهيري كبير من مناصريه (قدّره الرئيس نفسه بمليون و ألف)، أعلن عن تراجعه عن قرار عدم الترشيح «استجابةً لإرادة جماهير الشعب... وتلبيةً للمعتصمين والمتجمهرين في المحافظات، وللعيون التي أدمعت من النساء والشيوخ والأطفال».

أمس (السبت)، تدارك الرئيس الوضع فطمأن الجماهير القلقة على فراقه، ووعد المتجمهرين بأنه «لن يخذلهم استجابة للنداءات والمناشدات... لنبحر سوياً إلى شاطئ الأمان والحرية والديمقراطية»، كما نقلت وكالة أنباء «بنا» وغيرها من الوكالات.

لم يكن في الأمر مفاجأة، وكل ما حصل كان متوقعاً، فلا جديد في بلاد العرب، بل ان المعارض اليمني عن الحزب الاشتراكي عبدالباري طاهر وصف ما جرى بين صالح وحزبه بأنه «تكتيك لتسجيل نسبة عالية في الانتخابات المقبلة». ومع وضوح الرؤية داخل القطر اليمني الشقيق، أكد تسعة رجال، وثلاث نساء، رغبتهم القوية في الترشح للرئاسة، من دون أن تؤخذ هذه الترشيحات على محمل الجد!

وفي حين لم يأخذ أحدٌ تصريحات الرئيس السابقة داخل اليمن على محمل الجد، فإن أطرافاً خارجية تعاملت معها بجديةٍ، فشهد مطار صنعاء ازدحاماً في حركة هبوط الطائرات، خليجيةً وعربيةً ودولية، تحث الرئيس على البقاء إلى الأبد، و«دع عنك الديمقراطية والنموذج الرائع وكل ذلك الهراء»!

ويقال إن هناك فتاوى صدرت تحرّم «التنحي عن الحكم»، لأنه بدعةٌ جديدةٌ في المنطقة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وخصوصاً انها بدعةٌ مستوردةٌ من الكفّار والمشركين. وإذا كان لا يجوز لنا أن نقلّد أهل الكتاب في الملبس والمأكل، فكيف نقلّدهم في اختيار الرئيس وعزله عن طريق أوراق وقراطيس توضع في صناديق؟ بل كيف يجيز الرئيس لنفسه التنحي هكذا طواعية؟ وكيف يتجرأ على خلع قميصٍ ألبسه الله؟ أليس ذلك اعتراضاً على حكم الله؟ نعوذ بالله!

إلى جانب الفتاوى الدينية، كانت هناك جهود دبلوماسية، إذ حاولت وفودٌ عربيةٌ إثناء الرئيس عن هذه الخطوة، واعتبرتها مخالفة للقيم والشيم الأصيلة، وخروجاً على العادات العربية والأعراف الراسخة. ويقال ان أحد الموفدين اعتبرها حماقة لا ينبغي الإقدام عليها، لئلا تفتح أعشاش الزنابير النائمة: «إيه الكلام ده... ديمقراطية إيه وخرابيط إيه... خلّصنا من الكلام الفارغ دِيَه»!

ويقول بعض المحللين إن أشد الضغوط كانت إقليمية، فعلى أمل الدخول في بعض التجمعات الإقليمية، خلال السنوات العشر المقبلة بعد «إعادة التأهيل»، يقال إن تلويحاً صدر بسحب هذه الجزرة، وكان التلويح أقوى أثراً من أصوات المليون يماني المطالبين ببقاء الرئيس.

الشعوب العربية التي طال حلمها بأن يتنحى حاكمٌ عربيٌ واحدٌ فقط عن طيب خاطر، وأن يتم اختيار حاكمٍ عربيٍ واحدٍ عن طريق «القراطيس»، وأن يحدث تغييرٌ سلميٌ واحدٌ للسلطة من دون تدخل ملك الموت، سرعان ما خاب أملها، فالزبدة «اليمانية» ساحت مبكراً... فالوعود الانتخابية في بلداننا لا تزيد مدة صلاحيتها عن ثلاثة أيام

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً