العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ

ثلاثة أيام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تراجع الرئيس اليمني في مدة ثلاثة أيام عن قراره برفض تمديد ولايته، وذلك «نزولاً عند رغبة الجماهير». فالرئيس، بقرار التراجع ازال الغموض وأوضح الكثير من الملابسات التي كادت أن تخلط شروط الواقع بموقف وصفه الرئيس اليمني السابق (المخلوع) بالجريء والشجاع.

قرار العودة أعاد عقارب الزمن الى حيث يجب أن تكون. فهو أكد القاعدة المعتمدة في المنطقة العربية/ الإسلامية. فالرئيس فضل البقاء في الجغرافيا وخيب آمال علي ناصر محمد باحتمال دخول «التاريخ من اوسع ابوابه». ترجيح الجغرافيا بما تعنيه من بيئة اجتماعية نمطية في معاشها وسياساتها على التاريخ بما يعنيه من احتمال حصول متغيرات... يتجانس كثيراً مع قاعدة العلاقات المضبوطة في المنطقة بتوازنات قبلية محكومة بشروط مراكز القوى. والجغرافيا عادة تعتبر من الثوابت التي تتحكم بها طبيعة المناخ وتتكرر وفق شروط اختلاف الطقس. بينما التاريخ يمزج بين ثوابت اجتماع البشر و«المصالح المرسلة» أو الوقائع الجارية... أي أنه يتغير ولا يخضع دائماً لقانون فصول السنة وشروط تتالي درجة حرارة الطقس هبوطاً وارتفاعاً. فالطقس الجغرافي يختلف في مزاجه التكراري عن الطقس التاريخي. فالأول أقرب الى الثبات والثاني يميل بحذر الى المتغيرات.

انتصرت الجغرافيا (البيئة الاجتماعية الثقافية السياسية) وتأجل انتصار التاريخ بوصفه ذاك الإطار الزمني الذي يستقبل الجديد من دون ضرورة للتخلي عن القديم. فالقرار الرئاسي في حاليه الاستنكاف عن التمديد وثم استئناف التمديد يشير الى أن القواعد التي تأسست عليها السياسة المعاصرة في المنطقة العربية/ الإسلامية لاتزال تملك حتى الآن فائضاً من الالتباسات يمكن التعامل بها في أكثر من اتجاه وتلوين اشكالها بمزاجية متقلبة ليست بعيدة جداً عن نمط المعاش وسلوكياته الاجتماعية.

نزل إذاً الرئيس اليمني عند رغبة الجماهير وخيب آمال علي ناصر محمد، فالبقاء في الجغرافيا اسهل واضمن من الدخول في التاريخ. وهذا الأمر تم من دون خسائر تذكر وأوضح بسرعة مجموعة أسئلة واستفهامات كادت ان تشق طريقها الى وعي «الحداثات» العربية المتخلفة أو القاصرة عن ادراك خصائص الاجتماع في المنطقة وآليات إنتاج السياسة. فالقرار السريع بالعودة عن القرار أكد أن شروط القواعد المنطقية لقراءة السياسة لاتزال على حالها ولم تتغير. كذلك جدد قرار التراجع مشروعية تلك الاجوبة التي وقعت في حيرة وكادت الأمور تلتبس عليها عندما سمعت باحتمال الاستنكاف عن التمديد. فالتراجع أعاد التوازن الى القانون الجغرافي وأعطاه دفعة من التماسك الذي كاد ان يتفسخ واصاب مثلا العقيد معمر القذافي بالهلع وسارع الى إرسال برقية يتمنى عليه عدم الاستمرار في موقفه.

لم تخب أمنية العقيد «الجماهيري». فالاستجابة كانت سريعة وخصوصاً انها جاءت معطوفة على «رغبة الجماهير». بينما خابت توقعات علي ناصر محمد الذي توهم ان هناك في الافق ما يبشر باحتمال خروج المنطقة من رؤية استقرت طويلاً وتقوم على معادلة منكرة وهي ان الدولة هي المجال السياسي للسطو.

بين خيبة وأمنية يمكن قراءة الكثير من الكلمات بين السطور. فخطوة التقدم والتراجع أكدت القاعدة وقللت كثيراً من احتمالات حصول التغيير. وهذا الشيء على سلبياته خفف على البعض عناء إعادة التفكير بقوانين جامدة وأصلب من الاسمنت. كذلك أسهمت خطوة التقدم والتراجع في توفير المال الكثير على خزينة الدولة لانها نجحت في كشف ميزان الجماهير ومزاجها العام وحددت من دون كلفة اضافية توازن الرعب بين من «مع» الخطوة ومن هو «ضدها».

هذه الايجابيات يجب عدم استبعادها من كفتي ميزان الربح والخسارة. ففي المجموع العام يمكن اعتبار ان الخطوة في حركتي التقدم والتراجع اعطت فرصة للأمل والتفكير بالمستقبل ولو لمدة وجيزة لا تزيد عن ساعة. وهذه الفرصة القصيرة زمنياً في منطقة قررت عدم استئناف السياسة تعتبر ثمينة ولا تقدر قيمتها الرمزية. فهي على الأقل أكدت أن العادات لاتزال قوية وثابتة جغرافياً واشارت أيضاً الى أن المخالفة موضوع قابل للاحتمال ولو لفسحة زمنية لا تزيد على أيام ثلاثة.

ثلاثة أيام كافية لإلقاء شعاع من الضوء على مساحة متقلصة من التفاؤل في دائرة جغرافية مغلقة على السياسة ومخالفة للزمن وتعاند بصلابة لا نظير لها كل التحولات والمتغيرات. شكراً للرئيس

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً