العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ

محمد الماغوط وعبدالرحمن المعاودة

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في مستهل شهر أبريل/ نيسان من هذا العام توفي الشاعر والكاتب محمد الماغوط. عند وفاته كان ممدداً على كنبته المعتادة التي يستريح عليها يومياً ويبثها آلامه وأوجاعه، وكان يمسك بيده سماعة الهاتف. أما اليد الأخرى فكعادته دائماً يمسك السيجارة بين أصابعه والتي ترمدت من كثرة التدخين. فيما شريط القرآن يدور في جهاز التسجيل وكان دائماً يحب الاستماع إلى صوت القارئ المصري الذائع الصيت عبدالباسط عبدالصمد. إنه صوت عذب وشجي حين يرتل آيات القرآن الكريم. في مارس/ آذار من القرن الماضي (العشرين)، زرت دمشق الفيحاء ضمن وفد البحرين لحضور مؤتمر للمسرح العربي، والذي ضم أيضاً الزميلين محمد خزاعي ومحمد عواد. أذكر في هذه الزيارة التقيت الشاعر والأديب محمد الماغوط لأول مرة، ثم التقيته بعد ذلك في بيروت لأكثر من مرة، وكانت كلها لقاءات عابرة وسريعة. والتقيت الممثل أسعد فضة وزوجته الممثلة مها الصالح، وقد أحيت فرقة الموسيقى العربية المصرية بقيادة عبد الحليم نويرة حفلاً موسيقياً كبيراً في الهواء الطلق على مسرح مدينة بصرى الروماني.

كان الماغوط كلف بواقع المسرح العربي وما فيه من إبداع أو إخفاق، وهو مثل الكاتب المسرحي السوري سعد الدين ونوس. وأذكر آثاره الأدبية المسرحية مثل «كأسك يا وطن»، فقد عرضت قضايا المجتمع السياسية والاجتماعية والفكرية والإنسانية على الجمهور، والمسرح يتفاعل مع قضايا المجتمع، فهو أداة للتنوير والتغيير والنقد.

كان الماغوط عضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو من أسرة فقيرة جداً عانت من الحرمان والهوان. ثقافته مكونة من معايشته للظلم والاضطهاد والفقر والفوارق الاجتماعية الواضحة، لذلك شن حرباً لا هوادة فيها على الظلم. وكان يقول إنه يتردد على مقر الحزب القومي في فصل الشتاء لوجود مدفأة فيه اتقاء من البرد الشديد، لذلك فضله على حزب البعث المفتقر إلى الدفء!

ومن أعضاء الحزب القومي أدونيس ويوسف الخال، وكانت هناك مجلة «شعر»، التي ضمت سعيد عقل. وكلنا يذكر مسرحيته «ضيعة تشرين»، التي أبدعها تمثيلاً دريد لحام، وكذلك مسرحية «غربة» وشخصية «حسني البورزان»، الذي وضع كل أوعيته في شنطة وهو يستعد للرحيل عن وطنه بحثاً عن حياة كريمة افتقدها في وطنه.

كانت شخصية الماغوط المتمردة والشامخة تطل علينا ونحن نتملى مشاهد تلك المسرحيات. لقد ابتعد الماغوط عن كل الأحزاب والتزم فقط بالكتابة والكلمة الحقة والصادقة. إن خصلتين في شخصية الماغوط ذكرتني بالشاعر والمربي عبدالرحمن المعاودة يتقاسمها معه، أولهما إدمانه على التدخين بصورة مستمرة لا يتركه إلا عند النوم، وكان لا يستعمل عود الثقاب بل يشعل سيجارة وراء أخرى؛ والخصلة الثانية أنه ترك البحرين مكرها وهو يدافع عن مبادئه في الحق والعدل والمساواة. لقد أسس المدرسة الأهلية والرائدة في مدينة المحرق، إذ جمع بين قضايا الشعر والفكر والتعليم الأهلي. كان شعره مرتبطا بالمناسبات الدينية والقومية والسياسية المختلفة، عبر قصيدة كلاسيكية متأرجحة بين القوة والضعف. ودعا الأنظمة السياسية العربية المختلفة إلى تحرير الإنسان العربي من التخلف، ومن أسر التقاليد الجامدة والمقيدة لجسد الإنسان وروحه، واعتبر البحرين مركزاً للتحديث والتطور. لقد تجاوز حدود الخليج والجزيرة العربية، وتخطى الإقليمية ونقد النواحي الاجتماعية والدينية والشعرية في بلاده... إلى إنتاج عربي وقومي بل وإنساني.

لقد قدمت مدرسة الإصلاح الأهلية التي أدارها عبد الرحمن المعاودة عدة مسرحيات ناجحة له، ومسرحياته مثل مسرحيات الشاعر إبراهيم العريض، عالجت موضوعات تاريخية بأسلوب شعري مشوق، وعلى أيدي الشاعرين الكبيرين العريض والمعاودة ولدت المسرحية الشعرية وترعرعت في البحرين. وشاركت الأندية الوطنية بعد ذلك في بداية الثلاثينات بالتحديد في تقديم الكثير من المسرحيات العربية التاريخية مثل «وامعتصماه» وغيرها من مسرحيات. وقد عالجت موضوعا تاريخيا ونجحت في صوغه بصورة فنية رائعة.

ومن الممثلين البارزين في تلك الفترة محمود المردي وحسن الجشي وحسين البحارنة وخليل زباري وإبراهيم كانو وعلي تقي وعلي سيار ومحمد بو هاني وآخرين. وفي مستهل سنوات الخمسينات من القرن العشرين وأنا في المرحلة الابتدائية، كنت أدرس وشقيقي الأكبر محمد على يد الأستاذ المعاودة في مجلسه مبادئ اللغة الإنجليزية، إلا أن المعاودة كان كلفا بترديد أبيات أشعار المتنبي وأشعار العرب الآخرين. كما لم يكن يكف عن الحديث عن معاناته وأوجاعه في دروب الحياة المختلفة في وطنه البحرين

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1388 - السبت 24 يونيو 2006م الموافق 27 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً