استطراداً لما جاء في الحلقة الأولى حول موازنات ونفقات التسلح على النطاق العالمي، نتناول في هذه الحلقة الموازنات ونفقات التسلح على النطاق العربي.
وبشأن المنطقة العربية، يرى التقرير السنوي للمعهد الدولي للأبحاث من أجل السلام أنه بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط سجلت نفقاتها على التسلح ارتفاعا نسبيا، ويرجع التقرير تلك الزيادة إلى الارتفاع الطارئ على موازنة الدفاع في السعودية. وكانت الأرقام العائدة للمنطقة لتكون أكثر ارتفاعاً - حسبما يرى التقرير - لولا استبعاد العراق وقطر عن الحسابات بسبب غياب المعلومات الدقيقة المتعلقة بهذين البلدين بحسب المعهد. ويرجع التقرير الدولي زيادة نفقات التسلح في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا الى ارتفاع أسعار النفط بالنسبة للدول المنتجة له مثل الجزائر والسعودية. ويأتي هذا الأنفاق العسكري المتزايد في الوقت الذي يعيش فيه جزء كبير من سكان العالم، بما في ذلك سكان الدول العربية، في أوضاع مأساوية بسبب الأوبئة والكوارث والفقر والجوع.
من ناحية أخرى وصلت النفقات العسكرية في المنطقة نفسها خلال سنة م إلى , في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما لم تتجاوز في بقية العالم , في المئة، ومثلت هذه النفقات نسبة , في المئة من نفقات الحكومة المركزية. بينما كانت في بقية أنحاء العالم في حدود في المئة من جملة الإنفاق المركزي للحكومة في العام م. علمًا بأن إنفاق الحكومة المركزية في هذا الجانب يشمل الإنشاءات العسكرية والمعدات الحربية والتدريب والصيانة وقطع الغيار، بينما تجارة السلاح تضم جميع الواردات من الأسلحة والمعدات الحربية والمنتجات التي تستخدم للأغراض العسكرية.
وعلى الجانب الإقليمي نجد أن الدول العربية أكثر المجموعات الإقليمية في ناحية الإنفاق العسكري، وخاصة دول الخليج العربي التي فاقت معدلاتها ما وصلت إليه «إسرائيل». ولاشك أن ارتفاع النفقات العسكرية في الدول العربية قد أثر سلباً على النمو الاقتصادي، إذ انخفض نصيب الفرد من الاستهلاك والاستثمار، كما انخفض المخزون الاستراتيجي من رأس المال وارتفعت أرقام المديونية الخارجية وازداد معدل التبعية الاقتصادية والاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات العسكرية وما يتصل بها من نفقات التشغيل والصيانة والتدريب.
ويلاحظ على القطاع العسكري في الدول الخليجية أنه لا يولِّد وظائف جديدة ولا يتيح فرص عمالة أكبر، ويعتبر من أقل القطاعات كفاءة من ناحية النفقات العامة؛ لأنه قطاع يستنزف الموارد الموجهة أصلاً للتنمية والاستثمار الاجتماعي والرفاهية الاقتصادي. ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن تخفيض النفقات العسكرية في العالم بمعدل في المئة سيوفر منافع كبيرة للاستثمار والاستهلاك خاصة في القطاع الخاص في الدول النامية. بالإضافة إلى أن هذا التخفيض سيزيد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم بمعدل أعلى من المخزون العالمي من رأس المال، وسيكون أداة فعالة لحفز الدول الصناعية لمزيد من المساعدات الدولية والمساهمات العالمية في برامج الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في الصحة والتعليم والبيئة. ويبين الجدول الجدول رقم حجم النفقات العسكرية في مجموعة مختارة من الدول العربية خلال الفترة .
وقد كشف تقرير دولي أن الدول العربية أكثر دول العالم إنفاقا على السلاح، إلا أن استثمارها في الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية ضئيل. وفي نهاية التسعينات من القرن الماضي، أشار حازم الببلاوي، الأمين العام للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «اسكو» التابعة للأمم المتحدة، إلى أن الدول العربية أنفقت , في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على جيوشها في العام ، بينما تزيد نسبة الأميين بين مواطنيها البالغين عن في المئة في المتوسط.
وأضاف الببلاوي: إنه على رغم أن الإنفاق على التسليح شهد تراجعًا طفيفًا في العامين الأخيرين فمازال يفوق الإنفاق على أي قطاع آخر.
ويرى عدد من المراقبين أن زيادة الإنفاق على التسليح في بعض الدول العربية لا يرتبط في بعض الأحيان بالاحتياج الفعلي للسلاح لمواجهة عدو محتمل بقدر ما يرتبط بعقد اتفاقات عسكرية للمساهمة في استمرار طاقة عمل مصانع غربية في إنتاج السلاح بالكفاءة السابقة نفسها.
ويبدو أن ذلك يعد اتفاقًا ضمنيا أو مكتوبًا بين هذه الأطراف لضمان الدفاع والحماية، وهو الأمر الذي يبدو متناقضًا، لأن عقد الحماية لا يتسق مع توريد أسلحة لا تحتاج إليها هذه الدول.
وتناقلت وكالات الأنباء في الفترة ذاتها، أنه مع انتهاء الحرب الباردة تراجع الإنفاق على الأسلحة في العالم إلى , في المئة في المتوسط العام ، غير أن النسبة ظلت مرتفعة بين العرب عند , في المئة مشيرة إلى أنه في العام أنفقت البلدان العربية , مليار دولار على الأسلحة، وارتفع الرقم إلى , مليار دولار بعد عام، وتصدرت دول مجلس التعاون الخليجي الست المنطقة؛ إذ بلغ إنفاقها الدفاعي , في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأضافت رويتر أن الكويت والأردن جاءتا على رأس الدول في الإنفاق على الرعاية الصحية؛ إذ بلغ , في المئة و, في المئة «على الترتيب» من الناتج الإجمالي لكل منها، وعلق الببلاوي «قائلاً»: لو أعطينا ما ننفقه على السلاح لمجالات حيوية أخرى مثل التنمية والرعاية الصحية والتعليم لكنّا في وضع أفضل كثيراً. كما أظهرت إحصاءات الأمم المتحدة أن دول «اسكوا» البالغ عددها دولة - وهي: تضم لبنان والبحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات ومصر والعراق والأردن وسوريا واليمن والمقاومة الفلسطينية، ومقرها بيروت- أنفقت في عام على شراء الأسلحة , في المئة في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يصل إلى ثلاثة أمثال المتوسط العالمي للإنفاق على السلاح، وهو في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
الخليجيون الأكثر إنفاقًا على السلاح
بلغ الإنفاق العسكري لدول الخليج في المئة من الإنفاق العسكري العربي، أي حوالي , مليار دولار بنسبة تقدر بـ , في المئة إلى الدخل القومي لهذه الدول وذلك خلال العامين . ويذهب نصف المبلغ السابق أي نحو مليار إلى دول أجنبية مقابل مشتريات السلاح. ويتحمل الفرد الخليجي من جراء ذلك , دولاراً سنويًا تذهب لصالح الإنفاق العسكري، علمًا بأن أكبر دولة خليجية يتحمل أفرادها إنفاقا عسكريا هي دولة قطر، حيث يتحمل الفرد , دولاراً، وهي تعتبر أكبر نسبة يتحملها فرد في العالم، وذلك طبقًا لتقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن.
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه مؤشرات الإنفاق العسكري في الخليج؛ فإن الوضع الاقتصادي لهذه المنطقة يشهد اهتزازًا كبيرًا بسبب عدم ثبات أسعار النفط؛ فيكفي أن السعودية أكبر الدول الخليجية ازدادت ديونها من , مليار دولار في إلى , مليار دولار عام ، وفي المقابل انخفض نموها الاقتصادي بشكل حاد من , في المئة العام إلى , في المئة العام
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1387 - الجمعة 23 يونيو 2006م الموافق 26 جمادى الأولى 1427هـ