العدد 1387 - الجمعة 23 يونيو 2006م الموافق 26 جمادى الأولى 1427هـ

الخروج على «الفقه»

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

إن نظاماً تعليمياً لا يتضمن درساً واحداً في «الفلسفة»... ببساطة... لا يعول عليه!

تاريخياً، نشأ عصر التنوير في جو من الصراع بين الكنيسة ورجالاتها من جهة، وبين الحركة العلمية ورجالاتها من جهة أخرى، والتصقت بهذا العصر الكثير من المفاهيم الحديثة آنذاك كالرفض التام لكل ما هو كنسي «نابع من الكنيسة»، والاعتماد على «العلم» و«العقلانية» كـ «نور» يواجه ظلامية «الكنيسة» عبر الاعتماد على «العقل» باستبدال «الخرافة» و«الجهل».

بداية هذا الصراع كانت منذ العالم الفلكي «كوبرنيك»، الذي أعلن عن آرائه في الطبيعيات والفلك ومركز الكون، إلا أن الكنيسة كانت ترفض الخوض في هذه الأمور، وكانت تعتبر رأيها مسلماً به، غير قابل للتحليل، فأدلة رجال الكنيسة أدلة ربانية لابد أن تؤخذ كما هي، وكان رفض «العلماء» التسليم بهذه الصورة هو بداية الصراع.

إن لابن المقفع في كليلة ودمنة، ولابن الراوندي في (الانتصار) للخياط المعتزلي، وللمؤيد الشيرازي في (المجالس المؤيدية)، وفي المنتج العلمي لجابر بن حيان، والفخر الرازي ما يماثل هذه الحقبة الإنسانية المهمة، كان المسلمون آنذاك قادرين على البحث والمعرفة في غير علوم «الفقه» من الطبيعيات والعقليات، لكن حين تغول «الفقه»، وتغول «الفقهاء» معه، دأبت حركة المعرفة في بلاد المسلمين إلى الجمود والاضمحلال.

التركيز على «الفقه» من دون باقي العلوم صيّر المسلمين أمة لا تقرأ حياتها إلا من خلال «الفقه». نحن نأكل، ونشرب، ونفهم، ونمارس السياسة، ونحب، ونكره، ونتعلم، ونصادق، ونعادي، ونميز بين الأشياء والناس بالفقه، وليس عبر أي شيء آخر ما خلا «الفقه»، حتى الإسلام نفسه، أصبح مختصراً بالـ «الفقه»!.

هذا الحضور الكبير للفقه كان حضوراً على حساب العلوم الإنسانية الأخرى، وهذا المطب هو ما صيّر النظام التعليمي نظاماً لا يعترف إلا بتدريس «الفلسفة»، ما صير هذا الجيل جيلاً متحاملاً على المعرفة، إذ كان ومازال في هذا حكمة لمن يرغب في استعماء الناس.

الحضارات منذ أبد التاريخ إلى يومنا الحاضر هي نتاجات تمازج معرفي متنوع، تداخلت فيه الأديان بعنصرها «الفقهي» باعتباره عنصراً من العناصر المكونة لهذا التمازج، ولم نسمع في التاريخ عن حضارة إنسانية كان قوامها «الفقه»، حتى الحضارة الإسلامية لم تكن قائمة على العنصر الفقهي أصلاً!.

ليس العلم ولا الدين يعطيان المرء المعرفة والفهم للحياة، ولنا في «بن لادن» و«الظواهري» أسوة حسنة، فكلا الرجلين مهندس وطبيب، وكلاهما رجلا دين وفقه، وعليه للمتبصر أن يرى نتائج هذا «المسخ» بدقة وبصيرة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1387 - الجمعة 23 يونيو 2006م الموافق 26 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً