العدد 1386 - الخميس 22 يونيو 2006م الموافق 25 جمادى الأولى 1427هـ

هل يعزز النقاش الكردي أسس ومفاهيم المجتمع المدني؟

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

يذهب بعض المتابعين للشأن الكردي في سورية إلى أن القوى الكردية منذ تأسيسها كان نضالها ينسجم مع مفهوم المجتمع المدني، فهي كانت تعتبر نفسها جزءاً من مؤسسات المجتمع المدني في سورية منذ أواسط القرن الماضي، وأصرت هذه القوى على النضال من أجل الديمقراطية في البلاد وبناء علاقات صحيحة بين المجتمعين الكردي والعربي. ووقفت هذه القوى ضد محاولات شق صفوف المجتمع في مناطق وجودهم. وهذا الفعل الكردي مستند إلى موروث سياسي وكفاحي منذ فترة مقاومة الاستعمار في الأراضي السورية.

وأراد الأكراد في كل مراحل حياتهم السياسية، إعادة مذاق التلاحم والدور الذي كانوا يتمتعون به وفقدوه على حين غرة. هذا المذاق التلاحمي أصبح هاجساً كردياً ومطلباً ملحاً فناضلوا طيلة وجودهم كقوى سياسية على الأرض، على أن تكون جزءاً من الحياة السياسية السورية فطالبت بأن تنضم إلى «الجبهة الوطنية التقدمية»، ومازال بعض الفصائل يحلمون ببلوغ هذا الهدف، على رغم دخولها «إعلان دمشق». وكان قبول الفصائل التي كانت تحلم بأن تكون جزءا من الجبهة، مصدره خيبة الأمل من دخول هذا الإطار السياسي الرسمي، وإصرار تنظيمات هذا الإطار على إقصاء القوى السياسية الكردية وتهميشها. بل إن بعض هذه التنظيمات الرسمية كانت تعتبر مسألة وجود الكرد في الجبهة المذكورة بمثابة تعامل مع الشيطان.


النضال السلمي والحراك السياسي

القوى الكردية لم تر أمامها أي خيار إلا النضال ضد ما اعتبرته نزعة عنصرية في صميم القوى السياسية السلطوية، واتفقت مع بعض القوى العربية على حصر نضالها في عدد من المفاهيم والمبادئ عرف بـ «إعلان دمشق». هذا الإعلان الذي رحب به غالبية المثقفين «العضويين» (والمقصود المثقف العضوي بحسب غرامشي)، وغالبية المنظمات الحقوقية وأنصار المجتمع المدني وطلاب الإصلاح والتغيير. وهو الموقف الذي انتقدته بعض التيارات الكردية التي وجدت على الأرض للتو، أي بعد حوادث القامشلي واغتيال الشيخ معشوق الخزنوي، وبعد ان طغت ثقافة الشعبوية والشعاراتية في أوساط الكرد، والتي كان سببها معروفاً، وهو الأمية السياسية والقراءة الخاطئة للمشهد السياسي في المنطقة والمجتمع الدولي. وهو الأمر الذي أبعد هذا الخط من الحركة الكردية عن المشهد السياسي السوري وعن الحراك المدني، فبقي هذا الخط يغني على ليلاه في إطار محلي كردي ضيق، وسانده بعض الأكراد في المهجر الأوروبي، الذين لم يدرسوا في جامعاتها أو استفادوا من خبراتها السياسية ومن مفاهيم المجتمع المدني لديها، ولم يحتكوا مع مثقفيها، وانما ذهبوا بحثاً عن لقمة العيش أو تحسين حياتهم المعيشية. وكان غالبيتهم يعملون في المطاعم وفي محطات المحروقات، وكان الخاسر الوحيد بالنتيجة هو الحراك السياسي في بلدنا سورية.

في اعتقادنا إن أحد أسباب إبعاد بعض القوى السياسية الكردية عن الحراك السوري العام على رغم أنها جزء منه هو قصر النظر السياسي، فنرى ان هذه القوى تزايد على القوى الكردية الأساسية على مستوى المفردات والشعارات، مثل الشعب والقومية، والقومية الثانية في البلاد، وحق تقرير المصير للشعوب، وهل الأكراد شعب قائم على أرضه التاريخية أم لا؟ مع أن كل الأكراد مقتنعون بأنهم شعب مقيمون على أرض آبائهم وأجدادهم، والفارق الوحيد بين هذه القوى هو أن القوى الرئيسية التي تنظر القوى المستجدة والحماسية والانفعالية أنها تعمل من تحت عباءة النظام، لا تكرر هذه المفردات على أساس أنها حقيقة قائمة وربما تكرارها يسيء إلى الحركة أكثر مما يفيدها. فهذه القوى لا تحبذ اللعب على عقول الناس الذين تحيرهم كيفية تأمين المأكل والملبس وتعليم الأولاد، على خلاف القوى الطارئة على الساحة، والتي تريد ابتلاع الساحة وتصادر إرادة الناس وضياعهم في دوامة الأزمة السياسية.


سياسة صبيانية

هذه القوى السياسية تفتقر إلى الثقافة السياسية، والى قراءة تجارب النضال السلمي للشعوب، وهي مصرة على البقاء أسيرة لثقافة اليسار الطفولي. وفي المحصلة، فان هذه النزعة نوع من البحث عن السلطة، تحت إغراء سببه القراءة الخاطئة للتطورات السياسية في المنطقة والعالم.

بعض الأحزاب الكردية التي لا تمتلك أفقاً سياسياً، تتصور أن المسافة باتت قريبة من تشكيل الدولة القومية، وأصبح بعضهم يطرح مقولة «فيدرالية كردية» في سورية، كما في بعض أدبيات التنظيمات غير المنضوية تحت «إعلان دمشق». مع ان القوى الكردية كانت حريصة على عدم طرح شعارات تكون سبباً في ابتعاد القوى السياسية السورية عن بعضها.

أضف إلى ذلك ان القوى الكردية الأساسية وصاحبة التجربة السياسية مع القوى العربية والموجودة على الأرض وتنشط في كل مناطق سورية وتشارك في اجتماعاتها، لم تتحدث يوماً عن الشعارات غير القابلة للتنفيذ، وأصرت على ان تسمي «الشعب الكردي في سورية»، وكانت الأحزاب الكردية تحرص على عدم تسمية نفسها باعتبارها حزب (س) الكردستاني، بل كانت تقول: حزب (س) الديمقراطي الكردي في سورية.

في الحقيقة ان عدم الانتباه للمفردات الخطابية والسياسية، وعدم قراءة الزمان والمكان، أوقع بعض القوى الكردية في سورية في تناقض مع الحراك السياسي الكردي، وبالتالي بات هذا الحراك لا يخدم المجتمع المدني.

ونعتقد ان تخبط بعض القوى الكردية وابتعادها من الناحية الفعلية عن حراك المجتمع المدني سببه يتعلق بالبنية القانونية للسلطة، ويتعلق بالوضع الكردي وحاله المأزوم أصلاً، بمعنى آخر ان أسباب تناقض ممارسة بعض القوى الكردية مع حركة المجتمع المدني تعود إلى أن الدستور لم يأخذ على عاتقه أن يكون مرجعا فكريا وسياسيا للمجتمع المدني عمليا. فتعدد الأحزاب والطروحات والصراعات الحزبية التناحرية أحيانا، وعدم التزام بعض القوى الجديدة بالرؤية الموحدة، وعدم معرفة دور الأحزاب في بناء الديمقراطية والمجتمع المدني، إضافة إلى عدم وجود رؤية ناضجة وشفافة بشأن مستقبل الأكراد وضرورة التلاحم مع القوى العربية لتكون اللبنة وأساس بناء عقد اجتماعي بين الأكراد والعرب.

هذان السببان يحولان دون تكيف واندماج المجتمع الكردي السياسي مع نظيره العربي، مع أن برامج كل الأحزاب السياسية ولغة تخاطبها لا تفتقر إلى مفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة وحرية الرأي والتعبير وفصل السلطات وبناء دولة المؤسسات والبحث عن الحكم الرشيد.

خطاب القوى الكردية ومجمله نظري، ينسجم إلى حد بعيد مع مفاهيم المجتمع المدني، إلا انه يبقى من دون معنى عندما يغيب عن التطبيق. والسؤال: هل ثمة تفكير لدى الأكراد بأن تتوازن طروحاتهم النظرية مع العملية؟

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 1386 - الخميس 22 يونيو 2006م الموافق 25 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً