في ضوء إصرار وزير الشئون الإسلامية على تعديل المناهج الدراسية لتشمل تعليم مذاهب الطائفتين الكريمتين، طرح بعض المهووسين بالطائفية تخوفه من المساس بمناهج التربية الدينية، وعدّ ذلك حالاً من التعدي على الثوابت الدينية بحسب نظره. والأغرب من ذلك مخاطبته بعض كبار مسئولي الدولة لحماية هذه المناهج من التغيير والتحريف، وسرعان ما يأتيه الرد بالتطمين بأنه لا مساس ولا تغيير؟!
سمعنا ومازلنا نسمع ولا أظن أحداً لم يصل إلى أذنه هذا الشعار الكبير في معناه ولكن مع الأسف مازال صغيرا يحبو في واقعه العملي، والذي يستخدمه البعض لتحقيق مآربه الخاصة والطائفية، والشعار هو «الأسرة الواحدة». كم هو جميل هذا الشعار لو تحرك بجدية على أرض الواقع لكي يفوت الفرصة على النفوس المريضة التي هوت الطائفية، كم هو جميل لو تشكلت لجنة من كلتا الطائفتين الكريمتين (السنية والشيعية) لمتابعة تفعيل هذا الشعار ومن ثم هجران العادة التي اعتدناها من قبل بعض المسئولين، إذ تكثر مثل هذه الشعارات ولكن لا تبارح الأدراج وتبقى مجرد ضجيج إعلامي يوظفه البعض لأغراض سياسية.
متى يتحقق تفعيل هذا الشعار؟ ومن المسئول عن تحقيقه؟ أليست السلطة وجميع مؤسساتها هي المسئول الأول عن تفعيل هذا الشعار؟ ولماذا يوظف هذا الشعار على المستوى الإعلامي فقط ولا نرى له أثراً على أرض الواقع التي تضج من عبث الطائفيين والانتهازيين والمتملقين الذين ما نضب زيتهم يشعل نارا بعد أخرى؟
إن مصلحة الوطن ووحدة أبنائه أهم بكثير من صيحات نشاز لا ترى مصلحة الوطن إلا بمنظارها الطائفي الضيق. لهذا، وحتى يتحرك شعار «الأسرة الواحدة» لابد من تعليمه للأبناء في المدارس والمعاهد والجامعات، ويكون له حضور واضح في مناهج التربية الدينية والتربية الوطنية لكل المستويات الدراسية لكي نربي الأبناء على روح المحبة والألفة لا روح التكفير والتخوين.
فإذا لم تستطع وزارة التربية والتعليم إنصاف طائفة كبيرة من المواطنين، لها تاريخها المشرف في خدمة الإسلام وخدمة هذا البلد، فليس أقل من أن تنقي مناهجها مما يسيئ إلى عقيدة هذه الطائفة وتحفظ كرامة أبنائها، وهذا أضعف الإيمان. ولا يمكن لمنصف أن يقبل بأقل من ذلك، وليس هذا من باب الحفاظ على مشاعر الطلبة المنتمين للطائفة الشيعية بحسب رد الوزارة، وإنما هو من باب درء الآثار السيئة على مصلحة الوطن والمواطنين، ولما ستؤول إليه الأمور لو بقي الوضع على حاله من زرع الشقاق والتباغض من خلال فصول الدرس. لا يمكن لأي مسلم أياً كان أن يتعلم مادة تكفره وتخونه بشتى الصور، وإن كان ذلك متوقفا على مستقبله ونجاحه، لأن عقيدة المرء أغلى ما عنده ولا يمكن أن يتنازل عنها وإن أعطي كنوز الأرض. وإن عملية تطوير مناهج التربية الدينية باتت من الضروريات في هذه المرحلة التي تواجه فيها الأمة الإسلامية تحديات صعبة تريد لها أن تتمزق وتنقسم. وإذا كان مطلب التغيير والتطوير اليوم مطلباً محلياً ملحاً، فإننا لا نعلم ما تخبئه لنا الأيام وخصوصاً بعد دعوة أميركا لدول الشرق الأوسط إلى إعادة صوغ مناهج متطورة ومتقدمة للتربية الدينية بحسب دعواها، ويا ترى كيف سيكون هذا التطوير والتغيير الذي يخضع للرغبة الأميركية؟
من الضروري أن تلجأ وزارة التربية والتعليم إلى أهل الاختصاص من علماء الطائفتين الكريمتين (السنية والشيعية) لصوغ هذا المنهج الذي يحفظ لهذه المملكة هويتها الأصيلة ويوحد صف أبنائها. وهنا يجدر بنا أن نسجل هذا الموقف للديوان الملكي في مبادرته الأخيرة في دعوته إلى تنقية مناهج التربية الدينية من مواطن الخلاف بين الطائفتين الكريمتين، هذه المبادرة التي كان لها أطيب الأثر في نفوس أبناء الوطن الواحد، ونتمنى من الديوان متابعة الأمر بكل جدية، وأن يشرك أهل العلم فيما يدرس لأبنائنا في مناهج التربية الدينية
العدد 1386 - الخميس 22 يونيو 2006م الموافق 25 جمادى الأولى 1427هـ