العدد 1386 - الخميس 22 يونيو 2006م الموافق 25 جمادى الأولى 1427هـ

موازنات السلاح سرطان يهلك التنمية المشهد العالمي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عبيدلي العبيدلي

أفاد التقرير السنوي للمعهد الدولي للأبحاث من أجل السلام SIPRI ومقره ستوكهولم، ان الإنفاق العسكري الع 

من جانب آخر، احتفظت روسيا بمرتبتها كأول دولة تبيع أسلحة في العالم، وذلك منذ العام ، حيث تبلغ مبيعات موسكو نحو في المئة من المبيعات العالمية متقدمة على كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. وتسعى روسيا إلى استعادة أمجادها القديمة من خلال إعادة بناء قواتها المسلحة بهدف تأمين دفاع قوي لنفسها بحسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال أيضا ان «موازنة الأميركيين تفوق موازنة روسيا بـ ضعفا، مبررا بذلك ارتفاع موازنة الدفاع والأمن لبلاده بحدود في المئة العام لتصل الى مليار دولار».


زيادة لم تتوقف

ولا تشكل الزيادة في هذا العام حالة استثنائية فحسب أرقام المعهد ذاته بلغ الانفاق العسكري في العالم في العام ، ما يربو على مليار دولار، بواقع , مليارات يوميا، أو نحو مئة مليون دولار كل ساعة. وكشف ذلك التقرير للمعهد ذاته عن أن الإنفاق العسكري في العالم قد سجل ارتفاعا بنسبة في المئة خلال العام عن العام ، بسبب الزيادة في موازنة الدفاع الأميركية. وكان الانفاق العسكري مليار دولار العام ، وهو آخر سنوات الحرب الباردة، وهبط الى ملياراً العام ، لكنه عاود الارتفاع إلى مليارا في ومن ثم الى أرقامه الحالية.

وتحتكر دولة نحو في المئة من الانفاق العسكري العالمي، تقف على رأسها الولايات المتحدة، بنسبة في المئة من مجموع الانفاق العالمي. وهذا الرقم يساوي كل الانفاق العسكري للدول التسع الآتية مجتمعة، وهي: روسيا وفرنسا واليابان وبريطانيا تنفق معا في المئة، ثم ألمانيا والصين والسعودية وايطاليا والبرازيل وحصيلته معا في المئة.

وقد أعطت حوادث سبتمبر/ أيلول أميركا غطاء سياسيا لزيادة الموازنة العسكرية، بحيث أصبحت أكبر موازنة في سنة. فقد طلب الرئيس بوش مليار دولار إضافية لموازنة ومليارات أخرى بحيث تقدر الموازنة العام بنحو مليار دولار مقارنة بـ مليارا لسنة . وهذه الزيادة في الانفاق الأميركي، وخصوصاً في مجال التقنيات العسكرية، لا نظير لها في العالم. فقد خصص لهذا القطاع أن يرتفع من نحو مليار دولار في الى نحو مليارا العام . وهذا هو أكبر نمو قطاعي في موازنة الحرب الأميركية.


أوهام التسلح خطر على الأمن

ومن المبررات التي تدعيها تلك الدول المتصدرة القائمة، هي أن تلك الموازنات الضخمة المرصودة للإنفاق العسكري هي الدفاع عن مشروعات التنمية أو مساعدة الدول النامية للدفاع عن مكتسباتها التنموية. لكن تقارير الأمم المتحدة تدحض كل تلك الإدعاءات.

ففي العام قامت الأمم المتحدة بدراسة حول التسلح والتنمية الاقتصادية، وخلصت تلك الدراسة إلى أن التسلح - في حد ذاته - صار مهدداً خطيراً للأمن والسلم الدوليين، وبالتالي يعتبر معوقاً للتنمية الاقتصادية. وأشارت الدراسة إلى أن الحجة القائلة بأن التسلح يستخدم لتأمين الأمن القومي ليست مقنعة؛ لأن الأمن القومي يمكن تحقيقه بالوسائل غير العسكرية، وخصوصاً أن مهددات الأمن القومي صار معظمها مرتبطاً بالضغوط الاقتصادية مثل مشكلات التضخم وتدهور قيمة العملات الوطنية وندرة الموارد، خصوصاً في مجال الطاقة والموارد غير المتجددة وتلوث البيئة والتضخم السكاني ومشكلات الصراعات السياسية والاجتماعية.

وعلى صعيد آخر، تشير تلك التقارير إلى أنه تم توظيف التسلح لتحقيق أغراض غير أمنية، إما لتأمين الحصول على موارد المياه أو ردع دولة أو إقليم معين حتى يستجيب لرعاية مصالح الدول الأخرى تجارياً. وفي العام قدمت لجنة خاصة للأمم المتحدة تقريراً حول العلاقة بين التسلح والتنمية الاقتصادية حذر من الآثار السلبية لارتفاع النفقات الدفاعية على أوضاع التنمية خصوصاً في الدول النامية. وأوضح أن سباق التسلح المحموم بين الدول أدى إلى ازدياد حجم الموارد المنفقة في التسلح، وبالمقابل انخفاض حجم الموارد المنفقة في الصحة والتعليم والرفاهية الاقتصادية، كما تأثرت مكونات الاستثمار والإنتاجية في القطاعات المدنية بسبب سوء تخصيص الموارد المالية في ظل سباق التسلح.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن بعض الدول النامية قد شرعت في وضع سياسات وتنفيذ برامج للحد من الانفاق على التسليح من أجل معالجة أفضل لمشكلات شعوبها. والمثال الأكبر على ذلك هو البرازيل، التي جمدت حديثاً مشروع شراء طائرات مقاتلة بمبلغ مليون دولار، كما خفضت موازنة الدفاع بنحو في المئة من أجل تنفيذ برنامج مكافحة الجوع، ولتصحيح الأحوال الداخلية، صحيا وتعليميا واقتصاديا وسياسيا من أجل اقامة دولة قادرة على التعايش عالميا.

وتشير دراسات اجتماعية اقتصادية حديثة الى أن العالم يحتاج لتقويم ذاته صحيا واجتماعيا وغذائيا الى نحو مليار دولار سنويا: 42 مليارا لتجديد التربة الزراعية والحد من تآكلها، و مليارا لمكافحة الجوع ونقص الغذاء، و مليارا لتحسين صحة المرأة، وعشرة مليارات لإنتاج مياه شرب سليمة، و مليارات لمنع الأمطار الحمضية، وخمسة مليارات لمكافحة الأمية. وإذا قارنا ما يتطلبه تحسين أحوال الناس (87 مليار دولار) بما ينفقه العالم سنويا في إنتاج السلاح (938 مليارا)، فسنجد النسبة هي أقل من عشر الانفاق العسكري السنوي!


الحاجة إلى تصحيح عدم التوازن

إذا أخذنا بأرقام العام ، نجد أن هناك حالة من عدم التوازن التي أوجدها إنفاق حكومات دول العالم الهائل على التسلح، الذي بلغ مليار دولار، مقابل مليار دولار قدمت كمساعدات إلى الدول النامية، ويتطلب ذلك تصحيحا للعمل على تخفيف حدة الفقر في العالم. وقد تضاعف الإنفاق العالمي على المخصصات الدفاعية بمعدل مرة على المساعدات المقدمة إلى الدول الفقيرة والنامية.

وشهدت المساعدات الدولية المقدمة إلى دول العالم الفقيرة تراجعا خلال العقد الأخير، بيد أن الأوضاع أخذت في التحسن العام ، بزيادة قدرها في المئة عن العام .

وتتضمن أهداف الأمم المتحدة التي وضعها قادة العالم العام تخفيض عدد الأفراد الذين يعيشون على دولار واحد في اليوم إلى النصف، وتوفير المياه النقية إلى كل سكان العالم فضلاً عن توفير التعليم الابتدائي - على أقل تقدير - لكل أطفال دول العالم.

هذا، ومن المتوقع أن ترتفع مساهمات التنمية إلى الدول الفقيرة بنسبة في المئة - أي بنحو مليار دولار في العام - بحلول العام ، بيد أنها لاتزال أقل من مبلغ الـ مليار دولار الإضافية الكفيلة بتحقيق الأهداف المرجوة.

بقي من الضرورة بمكان أن يدرك أولئك الذين يقفون وراء تضخيم موازنات التسلح أن يدركوا أن هناك مليون طفل في العالم لا يأكلون ما يكفي لضمان نموهم الصحي وهناك , ملايين طفل كل عام لا يصلون قط إلى سن الخامسة لأن الجوع يجعلهم أضعف من أن يقاوموا المرض يموت من هؤلاء الأطفال طفل كل خمس ثوان. وأنه من بين كل أشخاص من أولئك الذين يموتون يوجد أكثر من تسعة أشخاص حاصرهم الفقر في مناطق ريفية نائية أو في أحياء حضرية فقيرة مثل هؤلاء لا تتناقل قصة موتهم الأخبار، لذلك فهم يموتون في صمت، بينما يستمر هدير مصانع السلاح في إنتاج المزيد منه.

كان ذلك هو المشهد العالمي، ما هي صورة الواقع العربي... هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية من المقال

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1386 - الخميس 22 يونيو 2006م الموافق 25 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً