العدد 1385 - الأربعاء 21 يونيو 2006م الموافق 24 جمادى الأولى 1427هـ

لبنان بين لحود والسنيورة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الزوبعة السياسية التي عصفت بالطوائف والفعاليات ومراكز القوى اللبنانية بمناسبة توجيه رومانيا دعوة لرئيس الحكومة لحضور قمة دول «الفرانكفونية» في بوخارست في سبتمبر/ أيلول المقبل تؤكد من جديد مدى الخطورة التي وصل إليها البلد الصغير الذي لم يعد يحتمل المزيد من الضغوط الخارجية. فهذا البلد يقوم على توازنات طائفية زئبقية تتأرجح بين الطموح للارتقاء إلى ما يشبه «الدولة» وبين مخاوف على مصالح «طائفة» وموقعها ودورها في صوغ مستقبل هذه الدولة الموعودة. ومثل هذه التوازنات الدقيقة لا تفهمها عادة تلك الدول الكبرى التي تدعي معرفتها بكل الحساسيات ويتبيّن دائماً أنها لا تفهم وإذا فهمت تقرأ المسارات وردود الفعل عليها بشكل غير سوي.

كيف تولدت تلك الزوبعة الخارجية؟ رومانيا وجهت دعوة لرئيس الحكومة السني بتمثيل دولة لبنان في قمة الفرانكوفون واستبعدت رئيس الجمهورية الماروني وتجاهلته. وهبّت العاصفة السياسية. فؤاد السنيورة قال إنه تلقى الدعوة وهو ليس مسئولاً عنها أو عن الجهة التي وجهتها. الدولة المضيفة (رومانيا) قالت إنها تصرفت بناء على «نصيحة» فرنسية. فرنسا تذرعت أن استبعاد رئيس الجمهورية جاء ليتوافق مع القرار الدولي . فالقرار المذكور إذاً يتحمل المسئولية النهائية؛ لأنه ينص على عدم شرعية التمديد للرئيس إميل لحود.

رومانيا قالت إنها لا تتدخل في الشئون اللبنانية الداخلية، كذلك ردّدت باريس الأمر نفسه محيلة المسئولية إلى قرار صدر عن مجلس الأمن. فهي دولة مُجبرة على الالتزام بالقرارات الدولية ولا تريد مخالفتها. وهي - أي فرنسا - تحترم موقع الرئاسة ولكنها لا تعترف بالرئيس الحالي؛ لأنه خالف الشرعية الدولية حين وافق على تمديد ولايته.

رومانيا تذرعت بفرنسا، وفرنسا تذرعت بالتدويل. وحاصل الذريعتين زوبعة سياسية عصفت بالطوائف والفعاليات ومراكز القوى اللبنانية، وأخذت بتهديد أو إعادة خلط تحالفات محلية استقرت على مبادئ عامة ولم تتوافق على التدخل في «خصوصيات» تعتبر طائفية في جوهرها.

الرئاسة استنكرت الاستبعاد واعتبرته تجاوزاً لصلاحيات دولة مستقلة وذات سيادة. القوى المؤيدة للرئيس لحود اندفعت بدورها نحو الالتفاف حول موقع الرئيس، معتبرة تجاهله سياسة تدخلية خارجية تريد التلاعب بالتوازنات المحلية. كذلك اتجهت قوى آذار نحو اتخاذ موقف مؤيد ينسجم مع سياستها، باعتبار أنها الطرف المؤيد للتمديد والرافض للقرار الدولي .

حتى الآن المسألة مفهومة. كذلك يمكن تفهم ردود الفعل في سياق موضوعي تتحكم في جزء من شروطه مواقف سياسية مبدئية متجانسة مع قناعات متصلة ببعضها إلى حدّ ما منذ قرابة السنتين.

غير المفهوم في المسألة ردود الفعل المستنكرة والغاضبة التي صدرت عن جهات محسوبة على قوى آذار. فهذه القوى توافقت منذ سنتين على مبادئ عريضة بدأت إرهاصاتها السياسية في رفض فكرة تعديل الدستور والتمديد غير الشرعي بتوجيهات صدرت من خارج الحدود.

هذه القوى المعارضة للتمديد والمؤيدة ضمناً أو علناً للحيثيات التي نصّ عليها قرار التدويل استنكر بعضها التصرف الروماني واعتبره مساساً بموقع الرئاسة. وتجاهل هذا البعض أن القرار الدولي تذرع أصلاً بتعديل الدستور ليصدر مجموعة بنود تتجاوز موضوع الرئاسة ليطاول سلسلة قضايا إقليمية ووطنية وتمسّ سيادة البلد وتحرّضه على الاقتتال وتدفع به نحو مشاحنات تعرِّض حدوده للمخاطر وتزعزع ثقته بالمقاومة.

هذا الجانب يحتاج إلى توضيح من تلك الجهات التي استنكرت ولاتزال تنتمي في مجموعها إلى جبهة آذار. والتوضيح المطلوب لابد له أن يضع النقاط على الحروف، فإما أن تكون هذه الجهات غادرت مواقعها السابقة وباتت تعتبر مسألة التمديد شرعية، وبالتالي يصبح كل ما صدر بشأنها غير شرعي وتحديداً القرار . وأما أن تكون هذه الجهات تراهن في سياستها المحلية على خطين؛ الأول استخدام القوى الخارجية (العناصر الدولية التدخلية) لحسابات إقليمية تُخرج لبنان من محيطه الجغرافي، والثاني إعادة استخدام الطائفية سلاحاً حربياً يمنع الطوائف الأخرى من التقدم السياسي في صوغ مستقبل الدولة الموعودة.

ردود الفعل كانت واضحة في توجهاتها الطائفية. فهذا البعض الذي ينتمي إلى آذار أراد القول إنه ضد الرئيس وليس ضد الرئاسة، وإنه يعارض لحود ولكن ليس إلى حدّ تجاهله أو استبداله برئيس حكومة سني. وأيضاً وجّه رسالة إلى البعض الآخر في آذار مفادها أنه طرف لبناني يؤيد السنيورة في مواقفه ولكن ليس إلى الحدّ الذي يعطي رئيس الحكومة السني صلاحيات أقوى تنتقص من قيمة وموقع ودور رئيس الجمهورية الماروني.

«عُدنا والعود أحمد». فالمسألة إذاً مهما كبُرت وصغرت وتدوّلت وتلبننت وتعرّبت لاتزال في مكانها: طائفية.

الطائفية هي جوهر النظام اللبناني وهي المحرك (الدينمو) الذي يتحكم في الدورة السياسية العامة ويفرض شروطه الخاصة عليها. فالاعتراض على السنيورة ليس لأنه «لبناني» توافق مصلحياً مع «الموارنة» الذين اعترضوا على التمديد للرئيس لحود، وإنما الاعتراض عليه لأنه «سني» ولا يجوز طائفياً أن يمثل الدولة في الخارج غير الرئيس الماروني. نحن لبنانيون ولكننا لسنا لبنانيين إلى هذه الدرجة وإلى حدّ يصل إلى تفضيل «السني» على الماروني في تمثيل الدولة في الخارج. فلبنان شيء والرئاسة موضوع آخر.

بين خيار الطائفية المتحرك وخيار الدولة الموقوفة مال بعض آذار إلى لحود وابتعد قليلاً عن السنيورة. عاش لبنان

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1385 - الأربعاء 21 يونيو 2006م الموافق 24 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً