العدد 1384 - الثلثاء 20 يونيو 2006م الموافق 23 جمادى الأولى 1427هـ

«فرزة» علي فرزات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وُلد في حماة قبل ستين عاماً، ودرس الفنون الجميلة في دمشق، وعرفه الجمهور العربي من خلال رسوماته الصادقة. من الكتاب والصحافيين الذين لا يؤمنون بوجود وطنٍ آخر في الكون. أربعون عاماً وهو يحمل على ظهره الريشة التي لا يملك سواها في زمن البؤس والاستعباد وسيطرة الصوت الواحد الأحد.

كان يعمل تحت سقف الصحافة والقانون، لم يغادر الوطن، ولم ينضم إلى حزب أو منظمة أو جمعية سياسية. في أواخر أيام الرئيس السابق، حصل على امتياز إصدار صحيفة «الدومري» المستقلة، على أن تُعطى فسحةً من الهواء النقي لتتنفس بحرية.

وُلدت «الدومري» متأخرة، بعد عاماً من قانون الطوارئ الذي يجرّم اجتماع ثلاثة أشخاص (لئلا يفكّروا في القيام بانقلاب عسكري!)، وتغييب رأي الناس، والوصاية على عقول الشعب العربي القاصر. وكان الإعلام دكاناً، مليئاً بالامتيازات الشقراء والحمراء. وكان الإعلام يفاخر بالعبودية للحكومة، وفق فلسفة تقول: «وزارة الإعلام تعمل خادمةً في القصر، ولا يجوز لخادمةٍ أن تتفوّه بكلمةٍ تجرح مشاعر ربّة القصر»!

فرزات تحوّلت الريشة في يده إلى «فرزة» يقارع بها الجدار، يقلق الامتيازات التي تحتكر الخطاب الإعلامي، الذي يهدف إلى تجميل الواقع. ازدحمت رسومه بصور العسكر والجنرالات الذين لم يخوضوا حروباً ولم يحققوا بطولاتٍ إلاّ على شعوبهم. يرسم جنرالاً أمام قدْرٍ كبيرٍ مليء بالنياشين يفرغ منها على مواطن فقير. ويرسم كتاب «الموالاة» على شكل فردتي حذاء تسجدان أمام آلهة الأرض، في أبلغ نقد لاذع. ويصوّر جندياً يجرّ مواطناً عربياً من أمام مسئول يزمجر خلف الميكروفونات، وهو يقول بأن واحد زائد واحد يساوي ، بينما يصر المواطن على انها تساوي !

وفي المشهد الأخير يصوّر ازدواجية أجهزة القمع العربية، إذ يجلس الجلاد يشاهد لقطة رومانسية في فيلم عربي (طبعاً)، فتهطل دموعه على خديه، بينما ينتصب وراءه معتقلٌ سياسيٌ قُطعت يده ورجله معلقاً على الجدار. ويروي فرزات ان الرئيس الجديد زاره ذات مرة في معرض فني، وكان برفقته مجموعة من «أبطال» المخابرات، فأشار إليهم الرئيس ضاحكاً: «إنه يقصدكم برسوماته هذه»! وكان يطالب بحسن معاملة «الجالية السورية في سورية»!

كانت وزارة الإعلام تنفي وجود رقابة على الصحف، بينما يتعرض كل عددٍ من «الدومري» إلى القص والبتر والملاحقة، فتترك مساحات بيضاء مكان الكلمات والأسطر المحذوفة، وهو ما أثار حفيظة الوزارة أكثر، فأمرت المطابع بعدم طباعتها إلاّ بعد موافقة خطية. وهكذا استمر الكر والفر، حتى كان الوزير يقول: «أنا لا أنام قبل ثلاثة أيام من صدور كل عدد جديد»... وأصدر قراراً بتسليم البروفات... لـ «يتفرج عليها» قبل الطبع!

وأخيراً... صدر العدد «الملعون»، الذي أسماه فرزات: «عدد الإيمان بالإصلاح»! فأوعزوا إلى المعلنين بوقف التعامل مع «الدومري»، ومنع توزيعها، وبدأ هجوم صحف «الموالاة» ضد فرزات واتهامه بالوقوف مع الأميركان ضد العراق (لأنه انتقد البطل صدام)! وصدر قرار وزاري بالإيقاف... لتنتهي قصة أول صحيفة مستقلة في سورية.

هذه الحادثة تدرّس الآن في كليات الإعلام في بريطانيا، كمثال على قمع حرية التعبير في بلدٍ عربي شقيق، آثر أن يسقط «ريشة» علي فرزات... أحد أشهر خمسة كاريكاتيريين في العالم

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1384 - الثلثاء 20 يونيو 2006م الموافق 23 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً