نحن ندرك أننا تطرقنا إلى هذا الموضوع أكثر من مرة، ونعني به حاجتنا الى ثقافة اقتصادية جديدة، ولكننا وفي ضوء ما نراه من غياب التصور والجهود الآن لحد لإيجاد مثل هذه الثقافة، وتزايد الحاجة إلى ترشيد الانفاق، وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة، لابد من إجراء الكثير من المراجعات والدراسات لأنماط التنمية والرفاهية التي اشيعت خلال العقود الثلاثة الماضية.
فاذا كانت الطفرة النفطية خلال حقبة السبعينات قد مكنت من دخول مرحلة من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، فانها في الوقت ذاته ولدت عدداً من القيم الاستهلاكية والاتكالية بين صفوف عامة الناس، كما لم ترافق هذه المرحلة تطوير معايير وقيم انتاجية الفرد والمجتمع. وحتى بالنسبة إلى فئات كثيرة من رجال الاعمال، ارتبطت تلك المرحلة بالقيام بانشطة المضاربات وذات المردود الربحي السريع. الا انه بطبيعة الحال كانت هناك شرائح من رجال الاعمال سعت ولا تزال الى تجسيد دورها التنموي السليم من خلال ما تتعهده من انشطة ومشروعات اقتصادية منتجة.
لقد خلقت أنماط التنمية المتبعة الكثير من المظاهر المتناقضة، ففي حين تستمر شرائح من المجتمع بنفس أنماط الاستهلاك السابقة، يتزايد بروز شرائح آخذة بالاتساع في حجمها تعني من تدني مستويات الحياة المعيشية، بل وتتزايد رقعة الفقر.
في الوقت نفسه، سعت الحكومة خلال السنوات الماضية إلى تحميل جزء من أعباء أنماط التنمية على كل المواطنين من خلال قنوات رفع الرسوم أو تخفيض نوعية الخدمة ما أثار موجة من الاستياء والرفض. وقد ساعد في ذلك الثقافة الاقتصادية الاستهلاكية والاتكالية التي افرزتها الحقبة الماضية وكرستها بين فئات لا يستهان بها سواء من رجال الاعمال او المواطنين.
وهذا ما يفسر اسلوب الحذر في تطوير تلك القنوات خشية من عدم نجاحها او سوء فهمها ما يولد انعكاسات اجتماعية سلبية. وعلى سبيل المثال، يبرز بصورة واضحة ردة الفعل غير الطبيعية لدى قسم كبير منهم ازاء التوجهات الحكومية لزيادة او فرض رسوم على الكثير من الخدمات التي تقدمها لهم بهدف ايجاد موارد للدخل للانفاق على صيانة وتحسين هذه الخدمات. وغني عن القول ان مثل هذه الرسوم موجودة في جميع انحاء العالم. الا أن التأخر في فرضها قد ولد نوعاً من الشعور وبالتالي الثقافة بان فرضها اليوم هو بمثابة اداة للدولة لزيادة موارد الدخل لا غير دون النظر الى ابعادها الاجتماعية.
ان هناك مسئولية مشتركة للحكومات والقطاعات الاهلية في تصحيح الكثير من المفاهيم الاقتصادية الخاطئة. ان احد الاسس المؤمل اتباعها هنا هو ضمان ألا تؤدي التوجهات الاقتصادية المستحدثة الى تحميل المواطنين الاعباء دون ان تشعرهم بإيجابيات ومزايا هذه التوجهات في المديين المتوسط والطويل الأجل. كما أن ايجاد السبل التي تجنب ذووي الدخول المحدودة تلك الاعباء في المدى القصير ايضا هو امر مطلوب.
ان حث المجتمع الى التحول نحو وتيرة افضل واسرع من البناء والانتاجية والمساهمة الجماعية في الحفاظ على اشكال الحياة الكريمة واسسها ينبغي ان يأخذ عدة اشكال. ونرى ان اعادة تأهيل وتوجيه الكثير من مفاهيم الثقافة الاقتصادية السائدة هي اهم هذه الاشكال
العدد 1384 - الثلثاء 20 يونيو 2006م الموافق 23 جمادى الأولى 1427هـ