الرياضة اليوم أصبح لها وجهها السياسي، إذ يمكن استخدامها كوسيلة دبلوماسية في التعامل بين الدول. ولعل أشهر قصص هذا الاستخدام ما جرى بين الولايات المتحدة والعملاق الصيني، فيما عرف بدبلوماسية الـ «بينغ بونغ»، (تنس الطاولة) التي اعتمدها هنري كيسنجر، في نقلةٍ نوعيةٍ، من سياسة إسقاط النظام الشيوعي الصيني بالقوة انطلاقاً من تايوان في الخمسينات، إلى تطبيع العلاقات بين الدولتين اللدودتين.
على مستوى الدول، قرأنا كيف أن الرئيس البرازيلي المنتخب اعتذر للاعب بلاده لأنه سبق ان انتقده علناً لزيادة وزنه. أما الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، فقد اعتبر مناسبة «كأس العالم» ظاهرة أكثر عالمية من الأمم المتحدة: «فالاتحاد الدولي لكرة القدم يضم من الأعضاء، بينما لا يتجاوز عدد أعضاء الأمم المتحدة عضواً».
عنان لم تفته الإشارة إلى أن الناس في المقاهي في كل أرجاء الدنيا من بوينس آيرس إلى بكين يناقشون أدق تفاصيل المباريات. إلا أن ما فاته هو ما حصل من «تشفير للمباريات» في الشرق الأوسط، يصبّ في الاتجاه المعاكس لاتجاه العالم كله. إذا بحثت عن السبب ستجده في كلمة واحدة: الجشع!
أحد القراء بعث بمقابلة لنائب رئيس القناة التي احتكرت بث المباريات في الشرق الأوسط، أجريت قبل الدورة بأيام، قال فيها «إن على الفقراء أن يأكلوا ويشربوا فقط، فكرة القدم رفاهية لا حاجة لهم بها»! وأضاف: «إننا لم ندفع مليون دولار لنتحدث عن العواطف والمشاعر النبيلة، الدنيا تغيرت وعلى العرب ان يدركوا ذلك»! ولا أدري كيف سيتلقى ملايين الشبان العرب مثل هذه التصريحات الاستفزازية، ولكن من المؤكد انها ولّدت كثيراً من الإحباط والكراهية للقناة المذكورة، حتى ان بعضهم وصفها بأنها «راديو وتلفزيون أعداء العرب»!
نائب رئيس القناة زاد جرعة التحدي لمشاعر الملايين بقوله: «لا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تمنع القناة من فرض اتاوات المشاهدة»! وهو أمر صحيح، لكن في الوقت نفسه هذه القناة تقدم نموذجاً سيئاً للجشع والاستغلال، وخصوصاً عندما يقارن المرء بين سعر الخدمة التي تحتكر تقديمها لشعوبٍ ناميةٍ وفقيرة، وبين ما تقدمه القنوات المقابلة في أغنى الدول الغربية. ففي مقابل هذه الخدمة، تفرض في الدول العربية الفقيرة أو الغنية، اتاوة قدرها دينار للأفراد، و دينار للبث الجماعي. بينما يمكن الأوروبي الحصول على خدمة باقة مكونة من قناة منوعة، بمبلغ دينارا فقط سنوياً، أي دينار واحد فقط للشهر. حتى قناة الجزيرة الرياضية قدمت خدمتها بحدود دنانير كما يفيد الرياضيون.
على أن الشعوب عندما تواجه مثل هذه الاحتكارات الجشعة في مجال البث الفضائي، تلجأ إلى عدد من الحيل للوصول إليها، ولن تثنيها التهديدات المبطنة بالملاحقة القانونية أو تخويف الجمهور بعقاب الآخرة عند الحصول على الخدمة بطرق «غير شرعية»، كما شاهدنا في بعض الإعلانات المدفوعة في بعض الصحف!
في فضاء مفتوح، وخدمات اتصالات أصبحت تصبغ العصر الحديث، سيظل شرقنا البائس في المؤخرة دائماً، ميداناً للاستغلال والاحتكارات، وملاحقة الكتاب وتهديد الصحافيين بقوانين تذكرنا بقوانين «أمن الدولة». وفي عالم أصبح أكثر تقارباً وتواصلاً، تطل رؤوس الأموال الاخطبوطية، لتقدّم للعالم أبشع صور الانتهازية والاستغلال والاحتكار. وفي عالم لا يرحم، قبل أن يذهب الفقراء للجحيم، لن يتأثموا من استراق النظر إلى مباراة هنا ومباراة هناك، مادام الأباطرة لا يشبعون من المال
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1383 - الإثنين 19 يونيو 2006م الموافق 22 جمادى الأولى 1427هـ