حتى الآن تواصل القيادة السياسية في طهران دراسة حزمة «الحوافز» التي قدمتها الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا. وعلى رغم عدم تطابق ردود فعل القيادة الإيرانية بشأن الجواب النهائي فإن الميزان العام يتجه نحو القبول بتلك الإجراءات التشجيعية التي تشمل قطاعات مختلفة تحتاج إليها إيران لاستكمال مشروعها التطويري والتحديثي.
عدم تطابق التصريحات الرسمية يعني أن الجواب الأخير يحتاج إلى وقت ليتبلور في صيغة تفتح باب التفاوض على نقاط وصفت بالغامضة وتريد قيادة طهران توضيحها حتى تقول كلمتها الأخيرة.
مسألة الوقت إذاً تعتبر نقطة مهمة في المسار التفاوضي بين الجانبين. الاتحاد الأوروبي يحث على ضرورة تقديم الجواب قبل نهاية الشهر الجاري ( يونيو/ حزيران تحديداً). والاتحاد الروسي يريد سماع الاقتراحات المضادة في حال وجدت قبل بدء أعمال قمة الدول الثماني التي ستعقد في بطرسبورغ في منتصف الشهر المقبل. والولايات المتحدة أكدت مراراً أن الانتظار مسألة «أسابيع وليس أشهر». والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان طالب طهران بأن تأخذ وقتها قبل تقديم الرد النهائي، ولكنه لم يحدد فترة زمنية لفكرة «أخذ الوقت».
حتى الآن تواصل القيادة السياسية في طهران قراءة الحوافز ودراستها نقطة نقطة قبل أن تقدم اقتراحاتها البديلة الموازية أو موافقتها العامة على جدول الإجراءات التشجيعية. ولكن كما تبدو الأمور من ظاهرها تتجه إيران نحو الرد الإيجابي بعد تلك التشجيعات التي ترددت على مسامعها من مختلف الجهات. فالاتحاد الأوروبي تمنى على طهران الموافقة لأن الرفض يعني بداية تأزيم للملف والعمل على نقله إلى مجلس الأمن لتدويله. والولايات المتحدة فضلت الصمت ومالت إلى الاستماع بسبب انقسام الإدارة بين تيار تقوده وزيرة الخارجية كوندليزا رايس ويميل إلى الدبلوماسية لمعالجة الملف وبين تيار يقوده الثنائي الشرير (تشيني - رامسفيلد) ويميل نحو التصعيد العسكري بذريعة أن أميركا يجب ألا تقدم الهدايا إلى من يخالفون سياستها.
الأهم من الموقفين الأوروبي والأميركي هو تلك التصريحات التي صدرت عن القيادتين الصينية في بكين والروسية في موسكو. فالموقف الصيني طالب القيادة الإيرانية بالموافقة لأن بكين في حال الرفض لا تستطيع أن تقدم المزيد. كذلك اتجه الموقف الروسي نحو حث إيران على الرد الإيجابي على حزمة الحوافز باعتبار أن موسكو غير قادرة، ضمن الظروف الراهنة، على تصعيد المواجهة الدولية مع واشنطن.
ماذا يعني هذا «التوافق» الدولي على موضوع الحوافز؟ هناك أوجه مختلفة للمسألة الواحدة. أولها أن حزمة الإجراءات التشجيعية تشكل الحد الأعلى لتلك التفاهمات التي توصلت إليها الدول الكبرى زائد ألمانيا، وهذا يعني أن القوى المعنية تعتبر أن رد الحوافز سيسهم في تأزيم العلاقات الدولية وهذا لا تريده. ثانيها أن حزمة الحوافز تعكس إلى حد معيّن المدى الذي وصلت إليه التوازنات الدولية، وهذا الأمر يشكل بداية لتفاهمات أخرى في حال تعدلت موازين القوى في المستقبل. فالموضوع مرهون بتوازنات الحاضر وحين تتعدل الموازين يمكن أن يشكل التفاهم الراهن مقدمة لقراءات مختلفة قد تحصل لاحقاً. ثالثها أن الحزمة هي السقف الدولي الذي استقرت عليه وجهات نظر مختلفة. وهذا السقف هو تسوية سلمية لملف يحتمل الكثير من التفسيرات والشروحات.
المسألة إذاً ليست إيرانية فقط وإنما دولية أيضاً. والحوافز في هذا المعنى هي نتاج مفاوضات أجرتها أكبر قوى سياسية واقتصادية وعسكرية في العالم، الأمر الذي وضع الملف الإيراني على سوية عالية من الارتفاع، وبالتالي فإن الطموح إلى رفع السقف الدولي يتطلب موازين قوى قادرة على حمل الملف إلى قمة أعلى. وهذا الاحتمال غير مرجح الآن كما يظهر من تلك التصريحات والتعليقات الروسية والصينية.
حتى الآن تواصل القيادة الإيرانية أخذ وقتها في دراسة الإجراءات التشجيعية وتقديم الرد النهائي بشأن تلك الحوافز إما بالموافقة الإيجابية عليها أو بعرض اقتراحات بديلة موازية. ولكن الوقت في هذا السياق المتوتر مسألة مهمة لأن حزمة «الإغراءات أو العقوبات» هي نتاج توازنات دولية حددت صيغة مؤقتة لتفاهمات تأسست على قواعد موازين القوى. وهذا الأمر يحدد في النهاية الإطار العام للجواب الإيراني. فالقبول يعني بداية إيجابية للتفاوض على توضيح «نقاط غامضة» مستفيداً من الغطاء الروسي - الصيني، والرفض يعني خطوة سلبية قد تؤدي إلى كشف إيران دولياً ورفع الغطاء عنها... لأن السقف الذي وصل إليه الملف الآن يصعب كسره أو رفعه من دون تعديل لموازين القوى. وهذا التعديل المطلوب يحتاج إلى وقت. والوقت يحتاج إلى سنوات وليس شهوراً
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1382 - الأحد 18 يونيو 2006م الموافق 21 جمادى الأولى 1427هـ