قد تسأل: لماذا يكتب الأمين العام للأمم المتحدة عن كرة القدم؟ الواقع أن كأس العالم تجعلنا نحن في الأمم المتحدة نشعر بالحسد الشديد. في قمة اللعبة العالمية الحقيقية الوحيدة التي تمارسها كل الدول والشعوب، تعتبر كرة القدم إحدى الظواهر العالمية القليلة، بل نستطيع القول إنها أكثر عالمية من الأمم المتحدة. فاتحاد كرة القدم العالمي له أعضاء، بينما هناك عضواً فقط في الأمم المتحدة. ولكن هناك أسباب أكثر للحسد!
أولاً: كرة القدم حدث يعرف الجميع فيه موقع فريقه، ومن الذي سجل هدفاً وفي أية دقيقة، ومن الذي أضاع فرصة أو أنقذ المرمى من ضربة جزاء. أتمنى لو كان لدينا المزيد من هذا النوع من التنافس في الأسرة الدولية، فتتنافس الدول علنا على أفضل المواقع في جدول احترام حقوق الإنسان ومحاولة الفوز في مجال معدلات حياة الأطفال أو الالتحاق بالتعليم الثانوي.
ثانيا: كأس العالم حدث يرغب الجميع في الحديث عنه، لتشريح الحركات الصحيحة التي قام بها فريقهم. أناس يجلسون في المقاهي، في أي مكان من بيونس أيرس إلى بكين، يناقشون المباريات ويكشفون معرفة وثيقة حميمة ليس فقط بفرقهم الوطنية وإنما بالفرق الأخرى. أتمنى لو كان عندنا هذا النوع من الحوار في أنحاء العالم كافة، مواطنون يستحوذ عليهم كيف يمكن تحسين أداء بلدهم بالنسبة إلى مؤشر التنمية البشرية أو الحد من إطلاق الغازات السامة أو الأعداد المتزايدة من المصابين بمرض الإيدز.
ثالثا: كأس العالم حدث يتم في ملعب إذ تحصل كل دولة على فرصة للتنافس على أسس متساوية. سلعتان لهما أهميتهما في هذه اللعبة: الموهبة والعمل كفريق. أتمنى لو كان لدينا المزيد من هذه الظروف المتساوية في الساحة الدولية.
رابعا: كأس العالم حدث يثبت فوائد التعاون المتبادل بين الشعوب والدول، فالمزيد من الفرق ترحب الآن بمدربين من دول أخرى، يأتون بأساليب جديدة في التفكير واللعب. الشيء نفسه ينسحب على الأعداد المتزايدة من اللاعبين يمثلون نوادي بعيدة عن أوطانهم وهم يضخون ميزات جديدة في فريقهم الجديد، ويصبحون أبطالا في البلد الذي تبناهم، يساعدون على فتح القلوب وتوسيع الأذهان. أتمنى لو كان الوضع واضحاً للجميع ليروا أن الهجرة الإنسانية يمكنها أن تخلق فوزاً ثلاثيا : للمهاجرين ولدولهم الأصلية وللمجتمعات التي تستقبلهم. بالنسبة إلى أي بلد يعتبر اللعب في دورة كأس العالم موضوع كبرياء وطني عميق، بالنسبة إلى الدول التي تتأهل للمرة الأولى مثل بلدي غانا، يعتبر ذلك وسام شرف. بالنسبة إلى من وصلوا بعد سنوات من المحن والشدة، مثل أنغولا، فهو يوفر لهم شعوراً بالتجديد الوطني. وبالنسبة إلى من يعانون من النزاع الآن مثل شاطئ العاج، على رغم أن فريقهم الوطني هو رمز قوي للوحدة الوطنية، فإن الأمر إلهام بما لا يقل عن الأمل بالبعث الوطني.
ما يعيدني إلى أكثر الأمور حسداً بالنسبة إلينا في الأمم المتحدة: كأس العالم حدث نرى فيه فعلا تحقيق الأهداف، وأهم هدف على الإطلاق: أن نكون جزءاً من أسرة الشعوب والأوطان نحتفل بإنسانيتنا المشتركة
العدد 1381 - السبت 17 يونيو 2006م الموافق 20 جمادى الأولى 1427هـ