أن تدخل السعودية بقوة على خط الملف النووي الإيراني وتعرض تصوراً محكماً لحل ممكن ومتاح يقوم على ثلاثي
ثمة من يقرأ الخطوة السعودية تجاه طهران، وتجاوب الأخيرة معها على أنها قد تتمخض عن «منظومة إقليمية» من نوع مختلف لا هي تابعة للمحاور الدولية المعروفة ولا هي «عدمية» تكتفي بالقدرة على قول «لا» الشهيرة التي تحترف المنطقة قولها بامتياز من دون أن تقدم البدائل التي تريدها لنفسها، إنها «اللعبة» التي يجب أن تتعلمها قيادات بلدان العالم الثالث والعالم الإسلامي والعربي خصوصاً، في ظل عالم متحول يزداد شفافية ودقة، تماماً كما يجب تعلم «فنون الحرب» الصينية التاريخية الشهيرة المدونة في 13 بنداً اشتهرت في ممارستها القيادة الماوية ولاتزال تمضي على خطاها القيادة الإصلاحية الجديدة في بكين.
وكما يقول دبلوماسي صيني ضليع في الشأن الإيراني النووي فإن المطلوب من طهران اليوم ليس فقط «الحزم» في المواقف والدفاع عن المبادئ بل ممارسة «فن التفاوض» الذي يشتهر فيه الفرس أصلاً مع من تصفونه بالشيطان الأكبر إلى حين إجباره على الدخول تماماً إلى حلبة المفاوضات والحوار الشامل وعندها قد تأتي اللحظة المناسبة لـ «انتزاع» حق كان يرفض الإذعان له، تماماً كما نفعل نحن الصينيون الذين أصبحنا وكأننا «شيعة» القوى الدولية فيما تظهرون أنتم الإيرانيون وكأنكم تتخلون عن بعض مبادئ «التقية» السياسية التي هي من سمات مذهب الشيعة المسلمين.
سيمر شهر يونيو/ حزيران الجاري باعتباره «وقتاً ضائعاً» في معادلة الحسم باتجاه التسوية أو المواجهة بخصوص الملف النووي الإيراني من جانب الدول الصناعية الكبرى. فهذه الدول تنتظر قمة شانغهاي بين أحمدي نجاد والرئيسين الصيني والروسي، وكذلك مدى الجدية والعملانية في مشروعات التعاون العربي الإيراني إلى حين حلول موعد اجتماعهم المرتقب في ستراسبورغ في الغالب لمناقشة رزمة المقترحات ورزمة المقترحات المعدلة من جانبي الترويكا لطهران ومن جانب إيران في الرد على الترويكا.
إنها واحدة من أفضل الفرص المتاحة أمام قيادات المنطقة العربية والإسلامية لتحويل المبادرة السعودية تجاه طهران ومقترح المشروع الإيراني تجاه السعودية للتعاون إلى منظومة إقليمية حقيقية للتعاون تضم دول مجلس التعاون مجتمعة وإيران ومصر وسورية ولبنان لتشكل ليس فقط بمثابة «سور صيني» حقيقي يحمي ظهر الفلسطينيين في معركة الحياة والوجود مقابل اللاجود والتصفية المنظمة وإرهاب الدولة الذي يقوده ما تبقى من «جنرالات» الحرب الإسرائيليين، بل أيضاً بمثابة الحاضنة الواقعية والعملية لولادة عراق جديد خال من الفتن الطائفية والمذهبية والقومية ومن قوات الاحتلال.
وأخيراً عودة لبنان إلى العروبة والعروبة إلى لبنان بعد الاغتراب القسري الذي فُرض عليه في ظل ظروف الأخطاء الاستراتيجية القاتلة لأمراء الحرب فيه ورعاتهم «الخارجيين»، إن طهران تنظر بإيجابية بالغة إلى الدور العربي الفعال والمتطور تجاه الملف الإيراني والنووي، وتعتبر النجاح في منع قيام حرب جديدة والعمل الجدي من أجل تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية تماماً من أسلحة الدمار الشامل كفيلاً بإعادة الاعتبار إلى العرب والمسلمين في المعادلة الدولية.
ثمة قلق مشروع لدى العرب من تداعيات تطور الملف النووي الإيراني نحو المواجهة، بالمقابل، ثمة قلق مشروع لدى الإيرانيين من إمكان استغلال هذا القلق المشروع من جانب طلاب الحروب والهيمنة الدوليين باتجاه إملاء شروط «استسلام» ما على مجمل الوضع الإقليمي هدفها الدفاع عن أمن الدويلة المدللة (إسرائيل) والتحكم بمفاتيح الطاقة والطاقة البديلة.
يبقى أن السبيل الوحيد الناجع لرفع هذا القلق والقلق المضاد إنما يكمن في قيام منظومة إقليمية للتعاون تضم في صفوفها كل الرافضين للحروب الجديدة والفتن المتنقلة وإرهاب الدولة المنظم، إن جنود العرب والعجم المجندين للسلام كما للحرب لم يبقَ أمامهم بعد كل التجارب الأليمة التي ألمّت بهم في العقود الأخيرة والحروب البعثية التي شنت «غصباً» عنهم سوى أن يتعاونوا ويتكاتفوا في إطار مشروع تنموي شامل، وهذا المشروع التنموي الشامل لن تقوم له قائمة من دون تعاون جناحي العالم الإسلامي القويين العرب والإيرانيين. والمبادرة السعودية والمشروع الإيراني يمكنهما أن يشكلا القاعدة المنيعة لمثل هذا الإطار وتلك المنظومة
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1380 - الجمعة 16 يونيو 2006م الموافق 19 جمادى الأولى 1427هـ