آخر أخبار الدفعة الأخيرة من معتقلي الرأي في سورية، انه تمت إحالتهم الى المحاكم العادية، حيث استجوبهم قضاة تحقيق من السلك القضائي العادي، ووجهت إليهم اتهامات تستند إلى قانون العقوبات السوري، تم بعدها إيداعهم سجن دمشق المركزي بانتظار محاكمتهم أصولاً.
وهذه الأخبار في ظاهرها، تبين ان تحولات طرأت على أوضاع معتقلي الرأي في سورية، الذين غالباً ما كانوا يحالون على محاكم استثنائية مثل محكمة أمن الدولة العليا، أو المحاكم العسكرية أو المدنية، وجميعها مشهود لها بالقسوة في تعاملها مع معتقلي وسجناء الرأي من حيث أحكامها وفي طريقة تعاملها مع الذين حوكموا أمامها ومع وكلائهم من المحامين الذين غالباً لم يكن يسمح لهم بحضور المحاكمات، أو أن فاعليتهم قليلة ووجودهم شكلي، إذا حضروا أمام المحكمة. كما أن توقيف المعتقلين كان يتم في الأغلب لدى فروع الأمن أو في السجون العسكرية سواء في تدمر أو سجن المزة. وفي تاريخ الاثنين، كما في تاريخ فروع الأمن، مآسٍ طالت سجناء ومعتقلي الرأي، لا يرغب أحد من السوريين في استعادتها لما تمثله من رعب وحالات يندى لها الجبين.
والتحولات الجديدة في التعامل مع معتقلي الرأي سواء في أماكن التوقيف والاعتقال، أو في محاكمتهم أمام القضاء العادي، تبدو تحولات شكلية في الجانب الأهم منها، بل ان بعض ما يحيط بها قد يبدو تحولاً بالمعنى السلبي، وهذا ما تشير إليه وقائع تتسرب تفاصيلها سواء في خلال جلسات التحقيق مع المعتقلين، أو فيما يحدث لهم في أماكن توقيفهم في سجن دمشق المركزي.
ففي خلال جلسات المعتقلين أمام قضاة التحقيق، جرى توجيه اتهامات شديدة القسوة هدفها إيقاع أقصى العقوبات بالمعتقلين تماماً على نحو ما كانت تجري الأمور أمام المحاكم الاستثنائية، ولعل أبرز دليل يبدو في فرضية اتهامات القسوة المقصودة، التي تذهب بالمعتقلين من اعتقال مؤقت إلى سجن دائم مع الأشغال الشاقة، طبقاً لما يعنيه اتهام بإثارة النعرات الطائفية الذي تم توجيهه إلى الدفعة الأخيرة من معتقلي الرأي على رغم ما هو معروف عنهم من مواقف وطنية وحرص على المصلحة الوطنية، وهم الأشخاص الذين قدموا للعمل العام من خلفيات متعددة ليجتمعوا في سياق الهم والمصلحة الوطنية العليا.
وعلى رغم أن من المبكر الحكم على نتائج المحاكمات، فإن مؤشرات الاتهامات مخيفة إذا قورنت الاتهامات بما يقال عن اعتقال جاء على خلفية توقيع «إعلان بيروت - دمشق» الذي يرسم وجهة نظر جديدة في العلاقات السورية - اللبنانية ليس إلا، أو بسبب كتابة مقال أو إطلاق تصريح لا يتطابق أو يتماثل مع السياسة الرسمية، وكلها لا يمكن ان تصل بالانسان إلى الوقوع تحت حكم اعتقال أو اعتقال مع الأشغال، وهذا جانب من الأوضاع التي صار إليها معتقلو الرأي.
أما الجانب الآخر، فيتعلق بظروف حياتهم في أماكن الاعتقال وطريقة التعامل معهم، إذ ذكر أن بعضهم تعرض للضرب عند اعتقاله في فروع الأمن، وفي الوقت الذي كان يفترض أن يوضع هؤلاء في سجن يخص المعتقلين السياسيين أو بالقسم السياسي في سجن دمشق المركزي، فقد جرى زج المفكر والكاتب ميشيل كيلو إلى جانب متهمين بجرائم سرقة، وهي واحدة من قضايا جنائية خطرة تماثل جرائم القتل، وكلها بيئة تتناقض كلياً مع أفكار وممارسات وهموم وأساليب عيش المعتقلين وإجمالي بيئة معتقلي الرأي الذين هم عرضة لهذا التباين سواء جاء التباين بصورة طبيعية بسبب اختلاف المعتقلين السياسيين عن الجنائيين، أو نتيجة تدخل سلطات السجن طبقاً لما رشح من معلومات عن حال المعتقلين، إذ لا يجد فاتح جاموس مكانا ينام عليه سوى الأرض العارية، ولا يجد غطاء لجسده النحيل يحتمي به من برد السجن.
وما يحدث للمعتقلين الحاليين في السجن المدني، سبق أن حدث مثله وأبشع حيال كثيرين ومنهم النائبان السابقان رياض سيف ومأمون ابان اعتقالهما في سجن دمشق المركزي بعد زيارة قام بها وزير الداخلية السابق، إذ دفع إلى مكان اعتقالهما معتقلين جنائيين بجرائم أخلاقية وعنفية للضغط عليهما، وتحويل سجنهما إلى سجن مضاعف. ومعتقلو الرأي اليوم هم في حالات مماثلة على أكثر من صعيد ومستوى
العدد 1378 - الأربعاء 14 يونيو 2006م الموافق 17 جمادى الأولى 1427هـ