في العام ، جرت انتخابات مجلس الطلبة بكلية الخليج الصناعية (جامعة البحرين حالياً)، وتوزّعت المقاعد الثمانية مناصفة بين اليسار والإسلاميين (الشيعة آنذاك لعدم وجود سلف أو اخوان يدخلون معترك السياسة لكلفتها الباهظة). وفي العامين التاليين، زاد التضييق على الأنشطة الطلابية بسبب الهواجس الأمنية حتى كاد المجلس أن يتجمد.
اليوم، الجيل الجديد من الطلبة يعيش أجواءً أكثر انفتاحاً، يشكل قوائمه الانتخابية علناً، وينتخب مجلسه الطلابي. وفي بلدٍ درجة التسييس فيه عالية، وطبقاته وشرائحه مفروزة، تعتبر الجامعة «ثرمومتراً» لقياس حرارة المجتمع. من هنا يمكن اعتبار انتخابات مجلس الطلبة الأخيرة، مؤشراً أولياً للانتخابات البرلمانية المقبلة.
في تحقيق طرحته «الوسط» أمس تساءل الزميل حيدر محمد: «هل تخسر الوفاق كعكة النيابي بعد أن خرجت من مجلس الطلبة من دون حمص»، مستعرضاً ما أسفرت عنه التجربة من خسارة الوفاق بالجملة: منصب الرئيس ونائب الرئيس واللجان المهمة، على رغم حصولها على الغالبية، واكتفت الوفاق مسرورةً باللجنة الاجتماعية، تأكيداً لنزعة الزهد والمسكنة. وهو توجهٌ تطبعت عليه الوفاق لعوامل دينية واجتماعية ونفسية شتى، حتى أصبح التطبّع طبيعة ثانية لا يمكن الخلاص منها.
في التحقيق آراء عدد من الوجوه الطلابية البارزة من مختلف الأطياف، أحدهم قريبٌ من الوفاق، تضمن رأيه قراءةً تنبؤيةً لمستقبل الوفاق القريب. ولفت نظري نصيحته للوفاق بدخول البرلمان بقائمةٍ وطنيةٍ إذا أرادت أن تعمل بصدقٍ وأمانة، فذلك أفضل للشعب. أما إذا احتكرت قائمتها من أعضائها فقط، فإنها قد تفوز بالغالبية ولكنها ستبدو معبّرةً عن لون سياسي وطائفي واحد فقط، وستخسر معركة المناصب المهمة.
هذا الرأي الناضج الذي دار بعقل طالب جامعي تخرج حديثاً، وخرج بمثل هذا الوضوح والسلاسة والحجة والإقناع، من الصعب تخيّل انه لم يمر بعقول «شورى الوفاق»، وكوادرها السياسية. فالوفاق اليوم مندفعة إلى صالة عرس، كل همّها حجز أكبر عددٍ من المقاعد. أما اختيار من سيجلس على هذه المقاعد، فلا يمر ببالها، لأن هناك من يتكفل بالتفكير نيابةً عنها، حيث تتدخل معايير اختيار أئمة المساجد فنطمئن إلى نزول قائمة «المتقين»!
ما حصل في الجامعة، إنما هو انعكاس لواقع المجتمع وتفاعلاته، وما خسرته الوفاق من مقاعد ومناصب إنما هو سيناريو متوقع لما سيحدث غداً في البرلمان في ظل سيطرة نظرية الزهد والمسكنة. وعندما طالبنا بالتدقيق والتشديد في اختيار الشخصيات التي ستدفع بها إلى البرلمان حسب معايير الكفاءة والأمانة، فإنما استباقا للأحداث والكوارث المقبلة، خصوصاً مع عدم سماع شيء عن برامج انتخابية ولا هم يحزنون. وفي ظل ذلك، من المتوقع أن تسيطر الأجندة الخاصة، حزبية ومذهبية، وهنالك ستتصاعد الطروحات الطائفية، وتضيع أجندة الشعب والوطن .
في الجامعة خرجت الوفاق من المولد بلا حمص، لأنها فكّرت بطريقة «التحالف لتثبيت وجود التيار الإسلامي في البرلمان، وللرد على من يتهمنا بالطائفية يإيصال الإصلاح والاصالة إلى الرئاسة والقبول بلجنة الخدمات»، وهي طريقة تفكير ساذجة، تفتقر إلي الكثير من الحنكة والدهاء. وإذا استمر هذا النهج من التفكير فستخرج من المجلس ليستقبلها الناس باللعنات، فالعملية السياسية ستدور حول محاور الاقتصاد والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية، وليس حول تثبيت أقدام الإسلاميين في البرلمان. وفي هذه العملية... لن يقف معها الإسلاميون «الآخرون» الذين ذاقوا حلاوة الحمص والكعكة والمكسرات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1378 - الأربعاء 14 يونيو 2006م الموافق 17 جمادى الأولى 1427هـ