إن التمويل الاستهلاكي ضروري من وجهة النظر الاقتصادية، الا أن مساوئه تكمن في بلوغه مستويات مبالغ فيها بالنسبة إلى الاقتصاد، إذ يؤدي ذلك إلى سيولة فائضة وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم. كما أن الفرق بين تشجيع الطلب على هذا التمويل في الدول ذات القاعدة الانتاجية المتنوعة وبين بلدان ذات طاقة انتاجية محدودة مثل بلداننا الخليجية هو أن التمويل الاستهلاكي سيوجه لبضائع مستوردة وليست مصنوعة محليا، وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع حجم الواردات الاستهلاكية والتأثير السلبي على الميزان التجاري، كذلك التأثير على الصناعات الوطنية.
كما أن بلوغه - أي التمويل الاستهلاكي - مستويات مبالغ فيها بالنسبة للمصارف يعني اعتماد هذه المصارف بصورة متزايدة على مصدر دخل رئيسي قد يعرضها لهزات وخيمة، كما يعني ابتعادها أكثر عن أنشطة التمويل الانتاجي الأخرى وبالتالي إضعاف دورها الاستثماري والتنموي، كما يعني دخولها في منافسات محمومة تضر بمصلحة الاقتصاد ككل. إلا انه من الصعب الحديث هنا عن كون التوسع في التمويل الاستهلاكي بالنسبة إلى المصارف الخليجية سيكون على حساب التمويل الانتاجي بالدرجة نفسها التي يجري فيها الحديث عادة بالنسبة للمصارف في الدول النامية، كون المصارف الخليجية تمتلك سيولة كبيرة من جهة وقلة فرص التمويل الانتاجي من جهة أخرى، وهو سبب آخر يدفعها للتركيز على التمويل الاسهلاكي.
أما بالنسبة إلى الأفراد، فإن التمويل الاستهلاكي يعني الاستهلاك مقدما وهو فائض أو جزء من الدخل المستقبلي. وإذا كان هذا الجزء المستقطع في حجم معقول وقابلاً للتحمل، فإن دوره يكون مفيدا بل وضروريا كما سبق أن ذكرنا للفرد والاقتصاد. الا أن مخاطر التمويل الاستهلاكي تكمن في بلوغه مستويات مبالغ فيها أو توجيهه لمضاربات غير محمودة أو أن أعباءه بالنسبة للفرد تفوق طاقته ما ينجم عن تعثر في السداد ومشكلات اجتماعية واقتصادية وخيمة. ولعل أبرز مثال يبرز هو تمويل المضاربات في الأسهم.
لقد قامت أخيراً الكثير من المصارف المركزية ومؤسسات النقد في دول المنطقة ومنها البحرين بتأسيس ما يسمى بقاعدة المعلومات الموحدة للائتمان لكل عميل، إذ توضح القاعدة جميع المديونية بما في ذلك بطاقات الائتمان لكل مقترض، ووضعت سقفاً أعلى للمديونية تتمثل في تحديد نسبة محددة من الراتب إلى مجموع المديونية. ويبدو أن هذا النظام يلاقي بعض التذمر وبالذات من قبل المصارف التي باتت تتقلص لديها عمليات التمويل الاستهلاكي.
الا أنه باعتقادنا أن هذا النظام هو جزء من الحل فقط، إذ يتوجب النظر إلى كل نوع من الائتمان على حده وإضفاء المرونة والاستثناءات على بعض الأنواع الأقل خطورة أو المضمونة أو ذات الوظائف الاقتصادية. كما أن لجم التمويل الاستهلاكي بالنسبة للمصارف مع استمرار القيود عليها للتوسع في أشكال أخرى من التمويل العقاري او للمؤسسات الصغيرة هو أمر ضار من دون شك. وهنا تبرز أهمية قيام المصارف المركزية بوضع التشريعات المحفزة لتحول المصارف التجارية إلى نمودج المصارف الشاملة التي تقدم علاوة على الخدمات المصرفية التقليدية التمويل الاستثماري والترويج للفرص الاستثمارية ورأس المال المغامر والابتكاري والمؤسسات الصغيرة والجديدة والمساهمات المباشرة في رؤوس الأموال والخدمات المصرفية الفردية وغيرها، ما يعد أكبر حافز لنمو الاقتصاد الوطني
العدد 1378 - الأربعاء 14 يونيو 2006م الموافق 17 جمادى الأولى 1427هـ