لعل الفارق الذي يميز المجتمعات المتحضرة من تلك التي تعيش في عصور من الظلام الطريقة المتبعة في التعامل مع «الآخر»... الآخر قد يكون فئة مجتمعية أخرى، أو حزب آخر، أو المرأة (بالنسبة للرجل)، أو المعارضة (بالنسبة للحكومة)... أو أي شيء يتعلق بوجود «رأي آخر» حول مختلف المسائل الحياتية.
الفرق بين الرأي والرأي هو الدافع للتطور؛ لأن الفرق في الرأي يشبه الفرق في درجات الحرارة... ففي حين أصبحت درجات الحرارة متساوية في الكون أو في أي جهاز هندسي، فإن ذلك يعني انعدام الحركة؛ لأنه لا يوجد مبرر؛ لان تتحرك الطاقة أو تتبدل من حال إلى حال.
وعلى هذا الأساس فإن النظم الدكتاتورية تؤدي بالمجتمعات إلى الانحدار نحو عصور الظلام والتخلف والرجعية؛ لانها لا تسمح بوجود آراء مختلفة، وتعتبر تعددية الرأي من الممنوعات التي يعاقب عليها القانون الذي تسنّه السلطة النافذة بهدف قمع الرأي الآخر.
المجتمعات الأكثر تقدماً وتحضراً هي التي تفسح المجال لتعددية الرأي ضمن إطار من العمل السياسي، وهذا العمل يعتمد النهج السلمي الذي تلتزم به الدولة وتلتزم به الجهات الأهلية (غير الحكومية).
الجهات الحكومية التي تخشى الرأي الآخر قد تلجأ إلى سن القوانين وإصدار القرارات واستخدام الصلاحيات المتوافرة لها من أجل تدجين الجهات غير الحكومية، بحيث لا تسمع الحكومة أي رأي مخالف، وما يتوافر مجرد صدى تردده الفئات التي تم إفراغها من محتواها الإنساني وتحويلها إلى آلات مجردة من القيم، وتعمل من خلال ترتيبات مرتبطة بمركزية أحادية في الرأي.
ولأن هذا ليس من طبيعة الإنسان الاعتيادية؛ فإن الدولة الدكتاتورية تبذر ثروات الوطن من أجل شراء الذمم وإغلاق العقول وإسكات الناس، سواء من خلال الترغيب أو الترهيب. والنتيجة هي ان المال الذي كان من المفترض أن يصرف على التنمية المستدامة والشاملة يتم انفاقه على المتسلقين والمتملقين وكل من رخصت نفسه وقبل بعرضها في سوق تسترخص الرأي الإنساني وتتعامل معه كسلعة رخيصة قابلة للشراء أو للرمي في القمامة.
ولذا فإن أي مشروع إصلاحي إنما يبدأ باطلاق حريات التعبير عن الرأي، وهو ما فعله جلالة الملك في مطلع العام وهو الذي أعلن أمام الملأ - مراراً وتكرارا- انه الضامن لحرية التعبير، وأن من له رأي مخالف في «أمان» عندما يعبر عن رأيه وهو يعيش في كنف بلاده ويقول ما لديه من أجل الدفع باتجاه الإصلاح والبناء والمشاركة الحقيقية في صنع القرار.
إن الصحافة البحرينية التي انتعشت في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك هي المفخرة الحقيقية في السنوات الخمس الماضية، وجميعنا نعمل من أجل تعزيز هذا الانجاز الحضاري الذي ضحى من أجله شعب البحرين، ويقوده جلالة الملك
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1378 - الأربعاء 14 يونيو 2006م الموافق 17 جمادى الأولى 1427هـ