الذي يتابع ما يجري على الساحة الفلسطينية يُصاب بكثير من الإحباط وهو يرى الذل العربي بكل صوره أمام العربدة الصهيونية التي عاثت في أرض فلسطين قتلاً وتشريداً.
الاستبداد الصهيوني لم يترك شيخاً ولا طفلاً ولا امرأة فقد انتهك عرض الجميع وبكل وقاحة وقد فعل الصهاينة كل ذلك لأنهم يدركون أنهم يتحركون وحدهم في الميدان وأن الجو قد خلى لهم يفعلون فيه ما يشتهون.
النزهة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي - والتعبير لصحيفة «الوطن» - لكل من مصر والأردن عاد منها ليمارس جرائم من العيار الثقيل وكأني به كان يدرك أن الجميع سيصمت عن جرائمه، كيف لا يفعلون ذلك وقد صمتوا عن قتل جنودهم أكثر من مرة اقتناعاً منهم بأن كل تلك الجرائم تمت بطريق الخطأ... ليتهم يخطئون مرة واحدة ليعرفوا كيف تكون ردة الفعل الصهيوني على أخطائهم تلك!
الصهاينة قتلوا قبل بضعة أيام أسرة بكاملها كان أفرادها يتنزهون على شاطئ غزة، بقي من هذه الأسرة طفلة صغيرة ذات سبعة أعوام كانت تتلوى من الألم وهي تشاهد أسرتها تفارق الحياة أمام ناظريها وقد بقيت وحيدة لا تعرف ماذا تخبئ لها الأيام.
هذه الأسرة لم تكن تحمل السلاح ولم يطلق أفرادها رصاصة واحدة تجاه اليهود، ومع هذا فإن صواريخ الصهاينة القادمة من البحر تكفلت بقتلهم جميعاً... الصهاينة - كالعادة - كانوا يدافعون عن أنفسهم، والأميركان - كالعادة أيضاً - برروا أفعالهم ووقفوا إلى جانبهم.
ولأن الصهاينة يدافعون عن أنفسهم دائماً باعتبارهم الطرف الأضعف فقد قاموا كذلك بقتل عشرة فلسطينيين وجرح أكثر من آخرين قصفاً بالطائرات، كما أنهم وخلال أسبوع واحد أغاروا على عدد من القيادات الفلسطينية وقتلوهم أبشع قتلة ومع كل ذلك فالأميركان دائماً يرون أنهم يدافعون عن أنفسهم ولهم كل الحق في ارتكاب تلك المجازر، والويل - كل الويل - للفلسطينيين إذا فكروا في الدفاع عن أنفسهم لأنهم بذلك يمارسون أعمالاً إرهابية لا ينبغي السكوت عليها.
بطبيعة الحال - كنت ومازلت -لا أجد فارقاً بين الأميركان والصهاينة فكلهم في عداء العرب سواء، وكلهم يمارس القتل والتدمير في الجسم العربي هنا وهناك وكلهم لا يجد من يردعه أو حتى يتحدث معه بصوت عال.
وإذا كان الصهاينة قتلوا أسراً في فلسطين فقد فعلها الأميركان في العراق وفي أكثر من حادثة كان آخرها قتلهم أربعة وعشرين شخصاً في الحديثة في مجزرة بشعة وصفها أحد أعضاء الكونغرس بأنها «مذبحة جماعية تمت تغطيتها». وقد أثبتت التحقيقات أن الجنود الأميركان أطلقوا الرصاص من جانب واحد على عراقيين كانوا في منازلهم فقتلوهم جميعاً عدا طفلة واحدة تظاهرت بالموت فتركوها وشأنها.
ومع أن هذه المجزرة كانت متعمدة فإن التحقيقات الأميركية الصنع قالت إن هؤلاء الجنود كانوا في معركة وهم لا يُلامون على أفعالهم. ونحن نعرف أن القضاء الأميركي لم يصنع شيئاً إزاء كل المجازر والتجاوزات الهائلة للأميركان في العراق، وبطبيعة الحال فإن الديمقراطية الأميركية كانت وراء كل تلك الأحكام العادلة!
ومن آخر المآسي التي ارتكبها الأميركان مقتل سعوديين ويمني في معتقل غوانتنامو... لست أصدق مطلقاً أنهم انتحروا بل أجزم بأنهم نُحروا وأن الأميركان استمرأوا الكذب وعرفوا أنهم فوق المساءلة فادعوا أن الثلاثة ماتوا منتحرين.
سجن غوانتنامو الرهيب يستحيل فيه الانتحار، فالناس هناك تعد عليهم كل حركاتهم وأنفاسهم ويكفي ما نراه عبر القنوات الفضائية من وسائل التعذيب هناك وما نسمعه من جمعيات حقوق الإنسان لنعرف حجم الظلم الذي يمارسه الأميركان هناك.
مات الثلاثة، وأسف بوش لموتهم - وهذا فضل منه - وانتهى كل شيء ولعل في الطريق فصولاً مأسوية أخرى إذا استمر الحال العربي على ما هو عليه.
العربدة الإسرائيلية لا جديد فيها - كما يقول فهمي هويدي - «إلا أنه آن الأوان لكي نتساءل: إلى متى نظل ندير الخد لصفعاتهم، وهل سكوت العواصم العربية يعني أنها رفعت يدها عن القضية وأن الشعار البائس «نحن أولاً وأخيراً» أصبح واقعاً متجسداً على الأرض؟». اليهود والأميركان يبحثون عن مصالحهم فمتى يتحرك العرب للبحث عن مصالحهم بعيداً عن الأميركان واليهود؟
هل من المعقول - عربياً - أن يتهافت البعض على لقاء «أولمرت» ويتحاشا لقاء رئيس وزراء فلسطين؟ أليس هذا الفعل البائس دافعاً لأولمرت إلى قتل الفلسطينيين محتقراً العرب جميعاً؟
هل من المعقول أن يكون تقديم أي عون للفلسطينيين عملاً إرهابياً - كما يقول بعض الأميركان - ويسكت العرب على هذا القول، بل ويطبقه بعضهم فيصبح الشعب الفلسطيني محاصراً من كل جهة وكأن العرب لا صلة لهم بهذا الشعب، وكأن الصهاينة والأميركان أقرب لهم منه؟
هل من المعقول أن يقتل الفلسطينيون والعراقيون في مجازر متعمدة ويسكت معظم العرب فلا ينطقون بكلمة وعندما يقوم بعض الفلسطينيين بعملية استشهادية دفاعاً عن أنفسهم تتعالى بعض الأصوات منكرة هذا الفعل؟
العيب ليس فيهم، العيب - كل العيب - فينا فمن يهن يسهل الهوان عليه - كما قال شاعرنا المتنبي رحمه الله -!
وإذا كنت أعجب من التخاذل العربي فإني أعجب أكثر من بعض أصحابنا الذين ينكرون علينا كراهية الصهاينة والأميركان ويطالبوننا بحبهم وإظهار هذا الحب في مناهجنا وإعلامنا.
إن المناهج العربية كلها لو تضافرت على تلقين أبنائنا حب الأميركان والصهاينة لفشلت في مشروعها فشلاً ذريعاً... إن المجازر اليومية التي يرتكبونها لا تترك مجالاً لحبهم، بل إنها تغرس كراهيتهم والحقد عليهم.
ليتنا ندرك أننا جميعاً مستهدفون... ليتنا نسمع ما ينادي به غلاة الصهاينة من أن أرضهم من النيل إلى الفرات وأن هيكل سليمان تحت الأقصى المبارك.
الحصار الفلسطيني يجب أن يوقفه العرب... وقتل الأطفال والنساء يجب ألا يمر بصمت مخجل... إمكاناتنا ليست قليلة وشعوبنا يجب أن يترك لها المجال لتدافع عن نفسها وتثبت كفاءتها... العالم يسخر منا، والضعيف لا قيمة له... هل ندرك هذه البديهيات؟ ليتنا نفعل..
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1377 - الثلثاء 13 يونيو 2006م الموافق 16 جمادى الأولى 1427هـ