يضيف محدثي السياسي الإيراني الذي رفض ذكر اسمه: «قبل فترة وجيزة اثيرت مسألة مطار الامام الخميني وأعلنت بعض الدول مقاطعتها لهذا المطار لانه كما يقولون: ليس مستوفيا لشروط الامان العالمية. وفي الواقع ما اثير عن المطار لا يعدو كونه بحثا في اثارة المشكلات مع إيران واستدراجها إلى الازمات وكل التقارير التي صدرت من الخبراء، تؤكد ان هذا المطار ينسجم تماماً مع المعايير الدولية للامان وهو من اكبر المطارات في المنطقة... لكن في التعاطي الغربي مع إيران عليك دائما الأخذ في الاعتبار الموقف السائد منذ سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة... لقد خاضت إيران حرباً لثماني سنوات قبل ان يستقر الحكم الثوري ، وعلى رغم ذلك استمرت عملية البناء ضمن الامكانات المتاحة، لكن ما قصدته من العودة إلى الرشد هو الاهتمام اكثر بالمسائل الداخلية، فالشباب هم النسبة الكبيرة من الشعب وهؤلاء لا يمكن لهم الصبر كثيراً على الحرمان في وقت يرون فيه العالم يعج بالثورات العلمية والتكنولوجية ولم تعد الحواجز تنفع في منع تلقي المعلومات وهؤلاء يريدون الآن الاطمئنان إلى مستقبلهم وايجاد الوظائف التي يتمنون والعيش بعيداً عن المنغصات... كل هذا لا يمكن أن يتحقق إذا لم تبادر الدولة إلى ايجاد صيغة ما لفك الحصار عن إيران وتعزيز حركة الاستثمار في البلاد وعدم احتكار الاستثمارات بفئة معينة».
ويضيف: «الفساد سمة عالمية في هذه المرحلة لكن هناك درجات لا يمكن للمرء قبول الفساد فيها فمثلاً أحد المستثمرين يستغل أحد الأنهار في ري مزروعاته من دون أي مساءلة ولا يمكن منعه من ذلك لانه يشكل قوة سياسية كبيرة في البلاد... هذا نموذج من النماذج التي يمكن الحديث عنها والشعب يعرف... فعندما نقول العودة إلى الرشد نقصد في ذلك الاهتمام بقضايا الشعب وعدم رهن كل الأمور بقضية واحدة ففي نهاية الامر إيران دولة عريقة وليست المرة الأولى التي تواجه فيها الازمات لكن ليس من المقبول ان تكون هناك فئة من الناس تحتكر كل شيء لنفسها وتمنعه عن الشعب».
ويقول السياسي: «المسألة النووية ليست هي المقصود من كلامي... أقول لك باختصار نحن في إيران متحدون في الرأي في ما يتعلق بهذا المشروع واتصور لا يوجد أي إيراني ضد ان نمتلك الطاقة النووية».
البانوراما الإيرانية ليست مختلفة كثيراً عن اي بانوراما في الدول النامية، وهي دائما موحية بالكثير من التناقضات التي تجعل المرء يتوقف كثيراً عند الفلسفة التي تبنى عليها العلاقة بين النظام والشعب. بين الايديولوجيا الثورية وبين الحاجات اليومية للشعب بين المواطن المنشغل بهمومه اليومية وبين الخطاب التعبوي الرسمي الذي يحاول ان يجد لغة خاصة في خطابه مع الخارج الذي في غالبيته ينظر إلى هذه الدولة نظرة ريبة وشك ويطالبها دائما بتقديم التنازلات السياسية.
وسيلة النقل الأكثر انتشاراً في طهران هي الدراجات النارية، وهي تكاد تكون وسيلة نقل عائلية، لكن التطور الأبرز تلك السيارات الصغيرة المجمعة في إيران إذ هي منتشرة بكثافة وأكثر ما كانت عليه في العام اثناء زياراتنا الأولى إلى إيران، سيارة بيكان (وتعني بالعربية السهم) لم تعد هي السيارة الأكثر انتشارا في شوارع طهران إذ حلت مكانها السيارات اليابانية والفرنسية الصغيرة.
على رغم مشروعات توسعة الشوارع وبناء الجسور وحفر الانفاق تعاني طهران من ازدحام كبير للسير ولذلك يحتاج المرء إلى نحو الساعة من اجل الوصول إلى مقصده، المهندس سجاد يقول: «المتوقع في غضون السنوات الثلاث المقبلة أن تقل نسبة ازدحام السير بعد ان ينتهي العمل في شبكة من الجسور والانفاق والشوارع الجديدة في طهران».
إيران الثورة والدولة والاحلام التي تشغل مخيلة الشباب.
إيران الازمات السياسية والصراع بين المحافظين والليبراليين في حدود ما تسمح به طبيعة النظام السياسي، وإيران المفاعل النووي شاغل الناس، هي في نهاية الأمر البلاد التي تكثر فيها المفاجآت إلى حد لا يستطيع الواحد عنده الركون إلى أمر، إذ تماماً كما هو الحال مع المطر الذي يهطل فجأة في مثل هذه الأيام في طهران ويكلل الثلج قمم الجبال المشرفة على العاصمة الإيرانية في وقت تكون درجة الحرارة عند معدل درجة مئوية نقول تماماً هذه الحال تنطبق على الوضع السياسي وعلى حال الصحف الكثيرة التي تظهر على صفحاتها تفاصيل الصراع السياسي الداخلي، إذ لايكاد يمر شهر إلا وتسمع ان هذه الصحيفة أغلقت بقرار رسمي أو اوقف ذلك الصحافي أو صودر هذا العدد أو ذاك من صحيفة أو مجلة ما.
في المحصلة إيران تبقى هي إيران الامبراطورية الفارسية في السابق والثورة الإسلامية في العصر الراهن، ويبقى حسين حاجي وحبيبته يحلمان في الحديقة العامة بغد أفضل وبيت يترجمان فيه هذه الاحلام إلى واقع... لكن السؤال: هل همروجة المفاعل النووي الإيراني المثارة في العالم وهل الدعوة الإيرانية إلى تحويل مبنى السفارة الأميركية في طهران إلى «حديقة الشيطان» التي تحولت بعد الثورة إلى كلية عسكرية ستجعل الولايات المتحدة ومعها بعض دول العالم حسين وحبيبته يحققان حلمهما؟
هل هذا ما كان يرمي إليه السياسي الإيراني حين تحدث عن العودة إلى الرشد، وممن مطلوب العودة إلى الرشد هل المنطقة بحاجة إلى مزيد من الازمات؟
هذه الأسئلة وغيرها تزدحم في الذهن حين تبدأ عجلات الطائرة بالدوران على مدرج مطار الإمام الخميني تمهيداً للاقلاع
العدد 1376 - الإثنين 12 يونيو 2006م الموافق 15 جمادى الأولى 1427هـ