لا نستطيع ونحن نطالع كل تلك الوجوه المشرقة التي عبرت على تاريخ البحرين الحديث إلا أن ننحني اكبارا لها. انها وجوه أعطت الكثير وساهمت بشكل جلي في رفعة وتقدم هذا الوطن المعطاء وحاولت بكل ما وسعتها الحيلة أن تساهم في زيادته.
غير أنه تبقى هناك وجوه اتصفت بسعة عطائها وانتاجها، إذ حملت الوطن وهي فيه أو خارجه وكانت بحق تمثل في بلد الغربة عزفاً مفرداً لأنها ظلت تحمل الوطن بين جوانحها. وكانت لا تبرح تتذكر ماضيها وذكرياتها وتنسج من خلالها صورة ترسمها لهذا الوطن العظيم بتاريخه وبحاضره.
والمرحوم علي التاجر أحد هؤلاء المخلصين الذين «شطت بهم غربة النوى» بابعاد قسري إلى امارة دبي في دولة الامارات العربية المتحدة ليموت غريباً وبعيداً عن أهله وأصحابه الذين شاطرهم عمره وذكرياته ورسالته في الحياة.
وكما أننا لم نكن ننتظر الاحتفاء بهذه الشخصية الكبيرة التي كان لها أثرها الواضح في تاريخ البحرين المعاصر من نقد وصحافة وتاريخ إذ كان أحد المشتغلين بحرفية على تلك الثيمات إلى جانب دوره الواضح في الشأن السياسي واستقلال البحرين.
نقول إننا لم نكن نتوقع الاحتفاء بهذا الرجل الكبير حين نعي الينا من بلد الغربة من الامارات العربية المتحدة لأنه ببساطة لم يكن اماراتيا لكن بالمقابل - ويا للسخرية المرة - يموت التاجر وكأنه يوم موته ينعى نفسه التي يعلم أنها لن يحتفى بها بعد اليوم وكأنما لسان حاله يقول إن من يموتون من رجالات البحرين في بلدهم لا يتم الاحتفاء بهم لا في حياتهم ولا في مماتهم فكيف بأديب يموت في دار غربة بعيداً عن الأهل الأصحاب.
المرحوم التاجر الذي يصفه من عاصره بأنه كان رجلاً أديباً موسوعياً مطلعاً على الأدب والفن ومؤرخاً وباحثاً لا يشق له غبار الذي كان أحد اللبنات الأساسية في بنية الريادة في البحرين يمضي على وفاته حتى الآن يوماً من دون أي اهتمام رسمي أو أهلي ومن دون أن يحرك فقده شيئاً ما علق في القلوب من عطائه واسهاماته وكأن الرجل بموته طوى صفحته وتحول إلى التراب. مع أن كتاباته لاتزال شاهدة على حضوره ومع أن رفاق دربه يؤكدون جميل ما قدمه.
وكما أنا لا ننتظر من أحد أن يعيد الاحتفاء بالمرحوم التاجر سعينا إلى تخصيص هذا الملف عن المرحوم التاجر، إذ تناولنا جانبا من علاماته المضيئة وتاريخه المشرق والتقينا بمجموعة ممن عاصروه واطلعوا عن كثب على تجربته الغنية كما ننشر هنا مجموعة من كتاباته الثمينة
العدد 1376 - الإثنين 12 يونيو 2006م الموافق 15 جمادى الأولى 1427هـ