لا يمكن توصيف «المعركة الانتخابية» في الكويت بوصف واحد، فهي متعددة الزوايا متقاربة في الشكل ومتباعدة في المضمون، لذلك فإن هناك سبع محطات على الأقل سأسوقها في هذا المقال لتوصيف ما نحن فيه من ليال ساخنة الأجواء تحتد فيها المنافسة.
الحاضر الغائب في هذه الانتخابات المفصلية هو الصديق أحمد الربعي (أبو قتيبة لأصدقائه ومحبيه) فقد أصيب قبل أسابيع بعارض صحي نرجو له السلامة منه. الربعي هو دينامو الانتخابات الكويتية منذ زمن طويل كمرشح أو كداعية لفريق دون فريق. هو «الساحر» في المنتديات الجماهيرية، الذي يقول ويقول مبدياً الحجة بعد الحجة ويقف الجمهور مبهوراً بقوله ودفاعه عن أية قضية يختار الدفاع عنها تلقى صدى إيجابياً. ومنذ نعومة أظفاره وهو يدب على الساحة السياسية في الكويت، عندما كان غضاً لا يتجاوز طوله ساق رجل يافع كان يندس بين المتظاهرين في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات. وقتها كانت القومية العربية هي الشعار والمآل، وكان أحمد يصيب من شعاراتها الكثير، وتبع الربعي رأيه بالقول فتغرب وعرفته تلال اليمن الجنوبي وسجون المدن الكثيرة حتى استقر به المقام تحت قبة البرلمان وعلى أعمدة الصحف.
الربعي ليس شخصاً عادياً أو سياسياً له خصوم وله أنصار، بل كان فوق ذلك كله شعلة من حركة، تستطيع أن تلحظه تقريباً في مكانين مختلفين في وقت واحد من كثرة الحركة. آخر عهدي بأحمد محاضراً كان قبل أسابيع من مرضه، وكان متبرماً بالمنظمين لأنهم لم يحترموا الوقت، فقد كان عجلاً كعادته الدائمة، ومن فرط نشاطه لا تعرف ما إذا كنت تفضل الربعي السياسي أم الكاتب. أبوقتيبة... لقد افتقدناك في موسمك الدائم فارجع لنا سالماً.
شعارات الحملة الانتخابية كثيرة بل ومتناقضة، وربما من رفع الشعارات على الطرق وفي المنعطفات، التي تكاد تحجب رؤية السائق عن الطريق، وقد زين البعض شعاراتهم بصور شخصية براقة تحت وهم يقول إن الشكل يؤثر على قرار الناخبين، سواء كان المرشح رجلاً أو امرأة، إلا أن دراسة الشعارات المرفوعة تقود إلى القول إنها اختيرت على عجل (أو في معظمها)، فهي كلمات لا تعني شيئاً محدداً. وليعذرني البعض عندما تتصادف بعض أمثلتي ببعض شعاراتهم، كالقول «لابد لنا من مستقبل»! وهل يعيش الإنسان بلا مستقبل، أو «الكويت ليست للبيع»! ومن عرضها للبيع! أو «عائدون بإذن الله»! أو «معاً للأمام»، ولا يعرف أحد أين يقودنا الأمام إلا رافع الشعار! أو شعار «لنعيد بناء الكويت»! وكثيراً من الشعارات التي تبدو أنها اختيرت عفو الخاطر وبسرعة تسابق سرعة فترة الشهر التي توافرت للحملة الانتخابية، مفرغة من المحتوى ومن دون دراسة.
أما أكثر الإعلانات لغطاً فهي التي تقول «من أجل المستضعفين...»، ثم يذيل الإعلان بأن من يأتي بنسخة منه ويذيلها برقمه المدني (سيدخل السحب على شقتين في لبنان)! كيف يستوي الأمر بين «الدفاع عن حقوق مستضعفين»، و«توفير شقة في لبنان» الله أعلم! إنها فوضى شعارات يتقارب فيها الجميع وبعضها محل تندر وفكاهة.
الملفت في الحملة الانتخابية الحالية الاستخدام الكثيف لوسائل الاتصال الحديثة، فالمرشح يدعوك لزيارته برسالة قصيرة على التلفون النقال، تعلم منها الوقت وموضوع المحاضرة، ومن سيتحدث في اللقاء الانتخابي. أما الأكثر حداثة بين المرشحين فقد استخدم الرسائل الإلكترونية والمواقع الملونة للدعوة وتوضيح المواقف السياسية والاجتماعية. والرسائل تصلك على عنوانك البريدي زاخرة بالوعود، وآخرون من الناشطين والمتابعين للحملة الانتخابية رصدوا أسماء كل المرشحين على موقع خاص للإنترنت، ويطلبون من كل من يدخل الموقع أن يصوت ويتابع نتيجة التصويت، وقد فعلت ذلك، فوجدت تجربة مثيرة، وهي لو أن الكويت دائرة واحدة (وهو افتراض قد يحصل) فإن النتائج النهاية للانتخابات ستكون مختلفة، بل ومفاجئة.
استخدام التقنية بهذا الشمول لم تشهد انتخابات في الكويت مثلها من قبل لا في الحجم ولا في الطرق المختلفة لاختبار مزاج المواطنين بطرح الأسئلة العامة التي يطلب الإجابة عليها. بل إن بعض المواقع تعرض عليك أفكاراً للحملة الانتخابية، مع تصاميم لشعارات مختلفة، ما عليك - كمرشح - إلا أن تدفع وتنتقي... كما قرر بعض النشطاء إطلاق قناة تلفزيونية خاصة لمتابعة الانتخابات، وشاركت في هذا المنحى قنوات تجارية سارعت حثيثاً إلى تغيير بعض قنواتها لهذا الغرض.
الانتخابات في العالم صناعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والظاهرة التي تتبع الانتخابات دائماً هي ظاهرة الإعلان والخطاطين، إلا أن البعض قد فاق ذلك بتوزيع (فانلات) عليها رقم المرشح وأيضاً اللون الذي يفضله، من أجل أن تنتشر يوم الانتخاب أو قبله بقليل. أما أغطية الرأس (الكاب) فهي تتبع الألوان نفسها. المشكلة أن الملابس الكويتية (الرجالية على الخصوص وحتى النسائية) لا تتناسب مع ملابس الإعلان، فعلى من يريد أن يساهم لابد له من ارتداء الملابس الإفرنجية، ولأن الجو حر، فلا بأس من الشورت القصير لاتقاء حر الصيف اللاهب.
الصناعة لا تتوقف على الصرف على الدعاية والملابس، ولكن الطعام والإطعام أيضاً له فنون مختلفة منها السريع (على الواقف) ومنها الثقيل على القاعد الذي يضطرك إلى الانكفاء واستخدام اليد أيضاً، فالوجبة أكثر من خروف، إنه بعير بشحمه ولحمه. البعض هداه تفكيره إلى دعوة بعض المشاهير من الأدباء والشعراء، وكانت مفاجأة أن ألتقي بشاعر شعبي خليجي معروف في أحد خيام المرشحين، فقال: «لبيت دعوة سريعة كي أحضر وأتحدث مع الناخبين فقط لا غير».
أما التلفزيون فإن انتشار الشاشات الكبيرة في المقار الانتخابية صار واجباً على كل مرشح جاد، فمعركة نهايات كأس العالم لكرة القدم المشفرة (المونديال الكروية) تصاحب المعركة الانتخابية ولا تنتهي بانتهائها، وتعطي طعماً إضافياً لمنتديات المرشحين، وطبعاً لا تعدم من يقول لك هامساً إن السلطات قد وقتت الانتخابات مع توقيت المونديال لإلهاء الناخبين عن متابعة تطور المعركة الانتخابية والموضوعات المطروحة فيها، فالناس ستلتهي بمعركة أخرى. لذلك استعد الجميع بالشاشات الكبيرة، وأفضل ما أنتجته التقنية في هذا المجال، والملاحظ أن مؤسسات كثيرة قد تبعت موضة توفير تلك الشاشات سواء في مجمعات التسوق الكبيرة أو حتى في أفرع المصارف المحلية، في سباق بين معركة ومعركة.
أكثر الجديد جدًة في الانتخابات الكويتية هذا العام شكوى استمعت إليها من عدد من الأصدقاء إذ تحولت زوجاتهم إلى (مفاتيح انتخابية)، كون المرأة الناخبة تشكل غالبية الجمهور الناخب. صديقي أبوخالد الذي لا يهتم كثيراً بالسياسة لديه زوجة على عكس مزاجه، وهي تتلقى، كما قال شاكياً، تليفونات عدة وفي أوقات مزعجة بالنسبة إليه، من أم أحمد وخالة يوسف وزوجة فاروق من أجل حث صديقاتها على التصويت لهم، ثم أردف أبوخالد بالقول إن زوجته المصون قد تعلمت لعبة السياسيين الحاذقين بأن وعدت الجميع بنصرتهم وحشد التأييد لهم، مع أن بعض من اتصل بها منافس للبعض الآخر، ومرشح في الدائرة نفسها. لم أجرؤ أن أسأل (أبوخالد) ما إذا كانت الزوجة تتقاضى أتعاباً على عملية «التوسط والترويج»، فصديقي عصبي وقد يفهم السؤال البريء بشكل مناقض لما أردت أن أذهب إليه!
آخر محطات الانتخابات الكويتية أحسب أنها الجو، فقد اتصلت بأخينا الكبير صالح العجيري وهو يستشفي في لندن لأسأله عن الجو يوم الانتخابات وهل ما تيسر من معلومات صحافية أنه سيكون يوماً قائضاً! فطمئنني بطريقته الفكهة أنه سيكون يوماً من أحر أيام الصيف الكويتي اللاهب، وتلك حقيقة يذهب البعض ليقول إن السلطات ربما وقتت اليوم الانتخابي الكبير لمعرفتها بحرارته الفائقة مسبقاً، ولم نسمع من المتحدث الرسمي للحكومة أي نفي حتى الساعة
إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"العدد 1376 - الإثنين 12 يونيو 2006م الموافق 15 جمادى الأولى 1427هـ