عند الساعة , من مساء السبت، بثت إحدى وكالات الأنباء خبراً عن وفاة ثلاثة من المحتجزين في معتقل خليج غوانتنامو الأميركي، وأشارت إلى ترجيح أن تكون وفاتهم بسبب الانتحار.
في صباح الأحد، تواردت أنباء على وكالات أخرى، رجحت أن يكون انتحاراً متفقاً عليه بين الثلاثة في زنزانات منفصلة في المعسكر الرهيب. فقد تبين أن المعتقلين الثلاثة شنقوا أنفسهم في زنازينهم باستخدام ملابس وأغطية الفراش.
أول تعليقٍ ورد من قائد المعسكر الأدميرال هاري هاريس قال فيه إن الوفيات تم التخطيط لها «كعمل قتالي»! أما جورج بوش (القائد الأعلى للحرب العالمية على الإرهاب) فقد عبّر عن «قلقه العميق» بسبب الانتحار!
المعروف أن عشرات من محاولات الانتحار فشلت خلال السنوات الأربع الأخيرة، ومع ذلك حاول هاريس تبرير هذه المأساة بقوله: «إنهم لا يحترمون الحياة، سواء حياتنا أو حياتهم، ولا أعتقد أن ذلك كان نابعاً من اليأس، بل كان عملاً قتالياً غير تقليدي موجهاً ضدنا»! وهو خلاف ما يقوله رئيس منظمة «هيومان رايتس ووتش» كين روث الذي أرجع الانتحار إلى اليأس، «فهم يائسون لأنهم محتجزون احتجازاً غير مشروع، وليس هناك نهاية في الأفق، ولا يتم عرضهم على قضاة مستقلين، ولا يتم توجيه اتهامات لهم أو إدانتهم على أية جريمة».
أما المتحدث بلسان البيت الأبيض طوني سنو فقال إن فخامة الرئيس المؤمن بوش «أعرب عن قلقه البالغ» بسبب الوفيات، كما شدّد على «أهمية معاملة الجثث بإنسانية»! ففي العرف الأميركي معاملة جثة القتيل أهم من معاملته بإنسانية وحفظ كرامته يوم يكون على قيد الحياة.
«رويترز» في تقريرها ذكرت أن الثلاثة شاركوا في إضرابات جماعية عن الطعام بين الحين والآخر، وقامت سلطات المعتقل بإطعامهم قسراً. وأضافت الوكالة أن الثلاثة تركوا رسائل انتحار، ولكن لم يتم الكشف عن تفاصيلها.
الواقعة الجديدة، إنما ستضيف دليلاً آخر على فظاعة العصر الامبراطوري الأميركي الجديد، وأيقوناته الثلاث المقدسة في أبوغريب وسجن باغرام وغوانتنامو. والسجن الأخير تحديداً دعا الكثير من مجموعات حقوق الإنسان إلى إغلاقه بسبب بشاعته، إلى درجة أن شخصاً مثل طوني بلير، الحليف الأكبر لبوش، وصف المعسكر بقوله: «إنه أمر خارج عن المعتاد ويتعين وضع نهاية له».
ويليام جودمان من مركز الحقوق الدستورية في نيويورك قال إن الحكومة الأميركية حرمت المعتقلين من حقوقهم، واعتبرهم «أبطالاً بالنسبة إلى من يعتقد منا بأبسط القيم الأميركية المبنية على العدل والنزاهة والديمقراطية».
أما الشعوب العربية، فمن حقّها أن تتساءل عن سبب الانتحار، فالمعتقلون من دول عربية وإسلامية، تؤمن بأن الانتحار فعلٌ من المحرمات، ولن يقدم عليه مسلمٌ قطّ إلاّ إذا أصبح الموت أهون عليه من الحياة، وهي أكبر إدانةٍ للعصر الأميركي الإمبراطوري المتوحش.
إذا كان الأميركيون يبحثون عن صكّ براءة ذمة في واقعة الانتحار أمام الرأي العام في العالم، وأمام العرب والمسلمين خصوصاً، فليغلقوا معسكر العار هذا، ونتحدّاهم أن ينشروا رسائل الثلاثة المنتحرين لنعرف أي عذاباتٍ فظيعةٍ مرّوا بها قبل الانتحار. فالإنسان يبقى إنساناً يجب حفظ كرامته وصون حقوقه حياً وميتاً، وهذا ما لم ينجح فيه الأميركان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1376 - الإثنين 12 يونيو 2006م الموافق 15 جمادى الأولى 1427هـ