العدد 1376 - الإثنين 12 يونيو 2006م الموافق 15 جمادى الأولى 1427هـ

شيفرة اغتيال الحريري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أعاد التقرير الذي قدمه رئيس «لجنة التحقيق الدولية» في جريمة اغتيال رفيق الحريري عناصر الاتهام إلى دائرة الغموض. فالتقرير الذي رفعه رئيس اللجنة القاضي سيرغي براميرتز إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان حاول قدر الإمكان تربيع الدائرة، مشيراً إلى وجود أكثر من جهة لها مصلحة في الاغتيال طارحاً المسألة من جديد في سياق ظني.

تقرير براميرتز هو الرابع في فترة لا تزيد على شهراً وحتى الآن لاتزال «لجنة التحقيق» تدور في المربع نفسه ولم تستطع أن تقدم الدليل الحسي الذي يؤدي إلى الإمساك بطرف الخيط وجذبه إلى نقطة الدائرة لتشكيل عناصر ثابتة يمكن البناء عليها لتوجيه الاتهام إلى جهة محددة.

كل ما قدمه التقرير الرابع هو فرضيات عامة تأسست على شبهات سياسية. والجديد في الموضوع أن القاضي البلجيكي براميرتز الغى بعض «القناعات» التي توصل إليها القاضي الألماني ديتليف ميليس، وشكك في البعض الآخر وأبقى على بعض الاتهامات التي هي أقرب إلى الشك منها إلى اليقين. والجديد أيضاً أن القاضي البلجيكي أضاف إلى ظنون ميليس بعض الاحتمالات الظنية. وهذا يعني أن نطاق الدائرة اتسع ليشمل جهات كانت مستبعدة، مضافاً إليها سلسلة فرضيات ظنية تشير إلى احتمال تشابك عناصر مختلفة في اضلاع المربع.

التقرير الرابع إذاً يمكن اعتباره الأول في سلسلة جديدة. فالقاضي الجديد شطب الكثير من تلك الفرضيات التي وضعها القاضي القديم في تقريره الأول، ثم عاد وحذف بعضها الآخر في تقرير القاضي الألماني الثاني، ثم جدد بعض ما ورد في التقرير الثالث، مضيفاً أسئلة استفهامية تستفسر عن زوايا جديدة يحتمل أن تكون داخلة على خط الجريمة في تقريره الرابع.

إنها إذاً وفي المجموع العام «شبكة عنكبوتية» لا يعرف حتى الآن خيطها الأبيض من الأسود ولا تعرف البداية من النهاية. النهاية معروفة وهي اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق. أما البداية كيف؟ ولماذا؟ ومن ؟ وما هي وقائع الجريمة؟ كلها أسئلة لم تنجح لجان التحقيق الدولية التي انفقت ملايين الدولارات حتى الآن في تقديم تصور مقنع لكيفية تنفيذ الجريمة.

مضى حتى الآن شهراً على الجريمة وتدخلت قوى عظمى لفك لغز الكلمات المتقاطعة ولم تنجح كل تلك الفعاليات في تحديد شكل وقوعها. وباستثناء تلك الصور التي نقلت مشاهد الانفجار من الموقع لم تتوصل اللجان الدولية في الاتفاق على توصيف جرمي لكيفية حصول التفجير.

التقريران الأول والثاني يؤكدان أن التفجير حصل «فوق الأرض» واستبعد وجود احتمال لتفجير آخر «تحت الأرض»، كذلك استبعد القاضي الأول فرضية وجود عملية انتحارية معتبراً أن شريط «أبوعدس» الذي بثته محطة «الجزيرة» محاولة لتضليل التحقيق.

إذاً من فعلها؟ ميليس رسم خريطة من الشبهات الظنية. وبراميرتز الغاها أو على الأقل حذف منها ما يكفي من إشارات تمهيداً لتوزيع الاتهامات على جهات أخرى غير معروفة وتحتاج إلى وقت لتحديدها.

التقريران الثالث والرابع أعادا الاعتبار لفرضية التفجير «تحت الأرض» من دون أن يستبعدا احتمال التفجير «فوق الأرض». كذلك لم يستبعد القاضي الثاني أن تكون هناك شبهة بوجود عملية انتحارية قادها «أبوعدس». وهذا يعني أن الشريط الذي بثته «الجزيرة» ليس محاولة لتضليل التحقيق.

إذاً من فعلها؟ القاضي البلجيكي لا يجيب عن السؤال ولذلك طلب مهلة زمنية (سنة إضافية) واعداً بأنه سيتوصل إلى تحديد معالم طريق الجريمة في مدة ستة أشهر.

هناك شبكة خيوط تشبه خريطة الكلمات المتقاطعة. و«كلمة السر» موجودة، ولكن لا أحد يستطيع فك رموزها. فالشيفرة كما تبدو صعبة جداً وهي تدور في مربع الجريمة، ولكن لا أحد يملك المعلومات المؤكدة التي ترجح هذه الفرضية على تلك.

احتمال أن يكون «التفجير فوق الأرض» بات الأقوى. ولكن الثابت في الموضوع أن مجرى حصول الوقائع غير واضح. كذلك الجهة التي رتبت المسألة ومولتها وسهلت حصولها. أبوعدس قد يكون هو المنفذ وأيضاً قد لا يكون. والانتحار موضوع وارد، ولكن هل المنتحر فجر نفسه بالسيارة أم تم تفجيره من خارجها؟

كل احتمال يفتح التحقيق على باب. فإذا كان «أبوعدس» هو المنفذ والفاعل في آن فالمسألة تذهب إلى اتهام جهات «أصولية دولية» افتعلت الجريمة بقواها وعلى حسابها الخاص أو لمصلحة أطراف مجهولة. وإذا كان «أبوعدس» هو المنفذ وهناك فاعل آخر فجر فيه السيارة لاخفاء معالم الجريمة تذهب المسألة إلى اتهام جهات مشاركة استخدمت منظمات «أصولية دولية» لترتيب الجريمة لحسابات معقدة تستفيد منها الكثير من القوى المتضررة من وجود الحريري.

أمام لبنان إذاً سنة كاملة وصعبة للتوصل إلى معرفة طرف الخيط. وهذا الأمر يعني أن استمرار الضغط الدولي على هذا «البلد الصغير» سيستمر بذريعة البحث عن منفذ الجريمة أو عن الفاعل الذي أشار إليها أو غطى تنفيذها. وربما يكون طلب القاضي البلجيكي مهلة سنة ليس فقط لفك رموز الشيفرة وانما أيضاً للضغط على لبنان واستخدام توتره الداخلي لتمرير مشروعات تصب في أهداف تتجاوز تلك الدائرة التي حصلت فيها الجريمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1376 - الإثنين 12 يونيو 2006م الموافق 15 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً