العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ

الغرب مخاطباً إيران: هنا تقبل الصلاة بلا وضوء

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن يزور خافير سولانا طهران حاملاً معه سلة المقترحات التي عرضتها الدول دائمة العضوية بالإضافة إلى ألمانيا يعتبر موقفاً مهماً يدل على جدية ملف المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية والغرب، ثم إن اللافت أكثر هو الموقف الأميركي الذي بدا متزيتاً إلى حد ما، بعدما يئس الصقور في البيت الأبيض من سياسة الدفع بحلفائه في القارة العجوز لقبول أكثر الحلول راديكالية تجاه إيران، بل إن التمنع الذي تمثله الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لاحقاً في خطاب له قبل أيام بشأن رفض بلاده التفاوض على نوع التكنولوجيا النووية التي ترغب في استخدامها، لم يدفع واشنطن لأن تتخذ أكثر من وصف ذلك بأنه لا يعتبر رداً رسمياً من إيران على العرض الدولي. بل تجاهلت حتى اتهام المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي طهران بأنها أجرت عمليات تخصيب جديدة في شهر إبريل/نيسان الماضي. فهل يكون الموقف الأميركي الآن تحولاً دراماتيكياً حقيقياً يستجيب لدواعي السياسة وميزان القوى الإقليمي، أم أنه تمثيل لتكتيك جديد، أريد له أن يكون جولة التفافية شبيهةً بما أفرزته الرسالة التي بعث بها أحمدي نجاد إلى جورج بوش قبل شهر ونصف بإحراج القيادة الإيرانية أمام الأسرة الدولية، وبالتالي رمي الكرة في مرماها؟

الإيرانيون بدورهم لم يقللوا من العرض الذي قدمته الدول الخمس بالإضافة إلى ألمانيا، وإن طلبوا توضيحاً لبعض المطالب «المبهمة» وهو ما يعني أن العرض المذكور اشتمل على عروض قد تكون بالنسبة إلى طهران ذات أهمية كبرى، وبالرجوع إلى تلك المقترحات التي قدمتها الدول + التي التزمت الدول المعنية بالتكتم عليها ونشرتها شبكة «أي بي سي نيوز» الأميركية سنرى أنها أكدت:

حق إيران غير القابل للإنكار في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ضمن إطار المادة الرابعة لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وفقاً لالتزاماتها الدولية، والدعم السياسي لها لتطوير برنامجها النووي المدني، ودعم المجتمع الدولي بشكل فاعل للمشروع النووي المدني الإيراني الذي يتضمن بناء مفاعلات جديدة تعمل بالمياه الخفيفة في إيران ضمن مشروعات مشتركة وفي إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع الموافقة على تجميد المباحثات بشأن الملف الإيراني في مجلس الأمن بهدف استئناف المفاوضات.

في المقابل تتخذ الدول المذكورة دعم عملية بناء المفاعلات التي تعمل بالمياه الخفيفة في إيران بما يتطابق مع المشروع الإيراني لتوليد الطاقة الذرية، عن طريق مشروعات مشتركة وضمن إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقاً لميثاقها وباستخدام أكثر التقنيات تطوراً، مع السماح بتصدير البضائع الضرورية لهذا الأمر.

وعلى المستوى الاقتصادي تدعم الدول المذكورة الانضمام الكامل لإيران للمنظمات الدولية، ومن ضمنها منظمة التجارة العالمية، وإيجاد إطار للاستثمار المباشر في إيران والتجارة معها ومن ضمنها اتفاق التعاون التجاري والاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، ومن بينها التعاون في مجال الطيران المدني وشراء الطائرات الحديثة من الجيل الجديد (بوينغ وايرباص) ورفع القيود عن تصدير مثل هذه الطائرات من قبل الشركات المنتجة إلى إيران، أما في مجال الطاقة فتقوم الدول + بخلق شراكة استراتيجية طويلة الأمد في مجال الطاقة بين إيران والاتحاد الأوروبي وتوسيع وتحديث قطاعات الغاز والنفط في الأراضي الإيرانية وتطوير البنى التحتية للطاقة الإيرانية مثل مد الأنابيب، وأيضاً في مجال الاكتفاء في الطاقة وإعادة تأهيلها.

أما في المجال الذري فتقدم الدول المذكورة مقترحات أساسية بشأن التعاون في مجال البحوث والتطوير الشامل، وإعداد المفاعلات التي تعمل بالمياه الخفيفة والخاصة بالأبحاث، وإنتاج النظائر المشعة، إضافة إلى الاستخدام النووي والبحوث التمهيدية في مجال إنتاج الأدوية والمنتجات الزراعية، مع ضمانات مؤكدة وملزمة في مجال الوقود النووي قائمة على الوجود كشريك في مركز دورة الوقود النووي الدولي في روسيا الذي يعمل على تخصيب جميع كميات سادس فلوريد اليورانيوم المنتج في مركز أصفهان، وإيجاد منشآت (مخازن وقود) محفوظة في إيران لغرض تخزين الوقود النووي لمدة سنوات وذلك بمشاركة وإشراف الوكالة الدولية للطاقة الدولية.

وهذا الاتفاق يكون طويل الأمد آخذاً في الاعتبار الجهود المشتركة لخلق الثقة الدولية، ومن ضمنها استخدام عبارة «لإعادة النظر في جميع أوجه الاتفاق»، بتأييد الوكالة الدولية للطاقة الذرية المبني على أساس أن تكون جميع النقاط العالقة وباقي أوجه القلق الدولي قد حُلت، وهذا الموقف هو الذي يؤدي إلى استنتاج عدم وجود أي نشاط نووي غير معلن عنه أو مواد غير معلنة عنها أو وجود أي انحراف عن المواد الذرية في إيران، وأن يكون إعلان إيران لأي نشاط جديد في المجال النووي ذا منطق اقتصادي موثق وأن يكون في مجال دعم البرنامج المدني الحالي لهذا البلد.

أما على المستوى السياسي والأمني فتقوم الدول المذكورة بدعم الاتفاق الإقليمي بين الحكومات في المنطقة وباقي الدول ذات العلاقة للارتقاء بمستوى التعاون والتباحث في الشئون الأمنية في منطقة الخليج وغيرها، بهدف خلق ترتيبات أمنية وعلاقات التعاون في المجالات الأمنية الإقليمية المهمة والتي تتضمن ضمانات لحفظ وحدة الأراضـي والسيادة السياسية، ودعم إيجاد منطقة شرق أوسط منزوعة من أسلحة الدمار الشامل.

الإيرانيون الذين دأبوا على شراء الوقت والمغامرة أحياناً بحسابات أقرب ما تكون إلى الخيال، أدركوا جيداً أنهم باتوا في مستوى السقف «المعقول» بعدما دفعوا بالأوروبيين والأميركيين إلى عصر آخر قطرات التنازل لصالحهم في المفاوضات وتحمل «استفزازاتها» التي استمرت أكثر من تسعة أشهر، فحصلوا على حلحلة موضوع حق التخصيب في أراضيهم وإن جاء مصيداً بالتزامات وغير واضح المعالم، ثم أوقفوا تداول ملفهم النووي في مجلس الأمن، وأخيراً حصلوا على ضمانات أمنية لحدودهم مع ضمان سلسلة علاقاتهم في المنطقة العربية (العراق، لبنان، فلسطين) وأرغموا الأميركيين على الدخول معهم في مفاوضات بعد استثمارهم لضيق واشنطن في العراق.

كذلك فإن الإيرانيين قد يرفضون العرض الأخير (إن تم تأكيده من أصحابه) إذا ما تم الخلاف من جديد على مسألة التخصيب، وهم على ما يبدو ليسوا مستعجلين في أمر التفاوض، فكثير من الأحيان كانت التقديرات تشير إلى أنهم قد يقبلون بعروض مماثلة إلاء أنهم يرفضونها لاحقاً في اللحظات الأخيرة طبقاً لتقديرات مراكز الأبحاث الاستراتيجية العاملة بوزارة الخارجية الإيرانية، والمراكز غير المرئية في النظام، وهو ما ألمح إليه الرئيس أحمدي نجاد يوم الخميس الماضي في كلمة له في مدينة بوئين زهرا بمحافظة قزوين (غرب) من أن بلاده قد حازت دورة الوقود النووي بصوره كاملة، ولم يبق أمامها سوى مرحلة قصيرة للاستفادة من الحقوق النووية كاملة وينبغي التحلي بالوعي على هذا الصعيد، وهو ما يعني إمكان أن تقوم طهران بمناورة إضافية انطلاقاً من نهاية مكاسب العرض الأخير، على رغم أن ما قدمه سولانا قبل أيام يعتبر الأفضل إلى حد الآن منذ انهيار المفاوضات بين الجانبين في أغسطس/آب الماضي.

كاتب بحريني متخصص في الشأن الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً