كما يميل الإنسان إلى مقاومة ما يفرض عليه عنوة، على الإنسان ذاته أن يقف في لحظة صدق ليدرك ضرورة أن يبدأ مكافحة أكثر ما فرض عليه قساوة وعنفاً... وهي قوميته!
نحن لا نختار أن نكون عرباً، ولا أن نكون سنة أو شيعة، لكننا نستطيع أن نختار مغادرة هذه الجماعات متى ما أردنا ذلك، وإن كان فعل «المغادرة» يحتوي شيئاً من الفوضى إلا أنه الموقف الوحيد الذي نكون فيه فعلاً أحراراً في خياراتنا.
للاجتماع الإنساني رؤيتان، رؤية الجماعة وقوامها الجماعة العرقية/ الدينية/ الطائفية/ جماعة الأرض، ورؤية أخرى تتصف بأنها تعاقدية. نحن لا نتحكم في الجماعة، بل تفرض علينا الجماعة شروطها التاريخية رغماً عنا، لكننا نستطيع التحكم بالمجتمع التعاقدي، ونستطيع تطويعه كما نريد.
الدولة في الرؤية الأولى هي من تتكفل بحماية الهوية أو القومية، وبالتالي هي مؤهلة لقمع الآخر، ومحاصرته، ومقاومته، ونبذه، والقضاء عليه. بينما تنحصر وظيفة الدولة في المجتمع على حماية أفراد المجتمع عموماً، إذ يكون المجتمع أكثر قابلية للتطور والاندماج والاستقبال والإرسال. وكلما أوغلنا فيما لا نتحكم فيه بما يشابه هوس (القومية) (الهوية) (الدين) (الجماعة) عشنا المزيد من «التخبط»، وكلما قاربنا فكرة «المجتمع التعاقدي» كلما كنا أكثر إنسانية.
ولنكافح «القومية» نحتاج إلى أن نفكر بشكل جديد، نحتاج إلى أفكار جديدة، نحتاج إلى أفكار الاستقلال والثورة معاً، فالأميركيون لم يدركوا «مجتمعهم» بما هو «أمة» تحتوي على الكثير من الجماعات إلا عبر الاستقلال، وكذلك كانت مبادئ الثورة الفرنسية.
نحن لا نملك القدرة على العبور للمجتمع، إلا عبر مكافحة القومية، فالمجتمع الذي يقوم على الجماعات هو مجتمع حصص، فجماعة (أ) لها حصة، وجماعة (ب) لها حصتها التي لا تتعارض أو تتقاطع مع حصة الجماعة (أ)، في هذه المحاصصة لا وجود للوطن، لا وجود للمجتمع، لا وجود للفرد، لا وجود للاختيار، لا وجود للإنسان، ثمة وجود وحيد هو وجود التاريخ، والذي لم نقم «نحن» باختياره.
«الماغوط» حين أعلن أنه سيخون وطنه، كان يعني أنه سيخون «جماعته» التي لم يختر الانضمام لها، والتي قرر أن يخونها إذ أدرك أنه ليس من «الحرية» أن يخضع لها ولتاريخها المريض. لكن، لصالح من نخون قوميتنا المفروضة علينا؟ نخونها لصالحنا نحن بوصفنا «أفراداً» نؤسس مجتمعاً يحتوينا بإرادتنا الحرة في هذا اليوم، لا بإرادة التاريخ الذي مضى بأوجاعه التي امتدت فينا بالقهر والقمع والتعذيب
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ