العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ

ازدواجية الأولويات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الخلافات الظاهرة على المشهد الفلسطيني بين سلطة محمود عباس الرئاسية وحكومة «حماس» تثير أسئلة كثيرة عن معناها ووظيفتها. فالخلافات التي لا قيمة لها لا ضرورة لها. ولكن المشهد الفلسطيني يحاول إثبات العكس حتى ولو على حساب القضية العامة والمشتركة.

مثلاً ما هي وظيفة إصرار عباس على عقد استفتاء على «وثيقة الأسرى» في وقت أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت «أن لا معنى للاستفتاء»؟ فالجانب الإسرائيلي استبق الموقف ووجه ضربة سياسية للنتيجة التي سيسفر عنها الاستفتاء. فإذا جاء لمصلحة الوثيقة فإن أولمرت لا يعيرها أي اهتمام. وإذا جاء ضدها فالأمر سيان عند أولمرت. وإذا كان هذا هو الموقف الإسرائيلي من الجانب الفلسطيني بشقيه «فتح» و«حماس» لماذا إذاً كل هذا الكلام الناري المتبادل والتهديدات التي تصدر أحياناً من هذا الجانب ضد ذاك، والعكس.

قيمة الاستفتاء أصلاً فقدت وظيفتها ولا قيمة سياسية لها سوى الامعان في تكسير ما تبقى من تقاطعات تجمع «فتح» و«حماس» في التعامل مع القضايا المشتركة. لذلك الدور المعوّل على «الوثيقة» من قبل عباس لم يعدله أهمية سوى المزايدة على «حماس» وحشر قيادتها وإعطاء شرعية محلية لذاك الحصار الدولي الذي ضربته دول الاتحاد الأوروبي بالتضامن مع الولايات المتحدة وبدعم وتحريض من «إسرائيل».

هذا جزء من المشكلة. والإجزاء الأخرى يمكن توزيعها بالتساوي على جوانب غامضة من الأزمة المفتعلة بين «فتح» و«حماس».

مثلاً عباس يصر على الاستفتاء ضمن مهلة زمنية. و«حماس» تتمسك بحقها في الرفض وتصر على ضرورة مواصلة الحوار الوطني للتفاهم على وثيقة أكثر دقة وتمنع التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة.

الوثيقة المطروحة على الاستفتاء الشعبي تتضمن الاعتراف بـ «إسرائيل» كشرط للتفاوض أو لرفع الحصار. وأولمرت يقول إنه غير معنى بنتيجة الاستفتاء وان حكومته لن تغير موقفها المعلن الذي أخذت بشأنه موافقة أميركية. والموقف المعلن يلخصه أولمرت بأن لا وجود لطرف فلسطيني للتفاوض معه وان خطة الانسحاب الجزئي الأحادي الجانب (خطة الانطواء) ستنفذ من طرف واحد ولا ضرورة لبحثه مع الجانب الفلسطيني.

المسألة إذاً تسير على خط واحد لا خطين. فالجانب الإسرائيلي قرر خطواته ولا يأبه للشعب الفلسطيني وغير مهتم بمصيره، وكذلك لا يكترث لرأيه سواء وافق على «الوثيقة» أو لم يوافق، وسواء قرر الاعتراف بـ «إسرائيل» أو لم يعترف، وسواء استعد للتفاوض بشأن الانسحاب (الانطواء) أو لم يستعد. فكل الطرقات تسير في اتجاه مرسوم وعلى خط واحد قرره أولمرت نيابة عن الجميع.

إذاً لماذا الاستفتاء؟ ولمصلحة من يتم تصعيد الخلاف الداخلي الفلسطيني مادامت كل النتائج متساوية في مردودها السياسي؟

الخلافات التي لا قيمة لها ولا وظيفة سياسية لها ولا معنى لأهدافها، يمكن تجنبها، وذلك ضمن حسبة لا تتطلب هذا الجهد في التفكير.

«إسرائيل» وجهت ضربة استباقية للاستفتاء وأعلنت أنها ماضية في تنفيذ الخطة التي أعلنها أولمرت واقترعت غالبية سكان الدولة العبرية لمصلحتها، وبالتالي فإن مثل هذه الرسالة لابد أن تكون كافية لاقناع عباس بضرورة سحب وثيقة الأسرى من التبادل وتوفير هذا الشقاق المفتعل الذي لا فائدة منه سوى الحاق المزيد من الضرر بالجبهة الداخلية الفلسطينية.

المشهد فعلاً يثير الكثير من الأسئلة القلقة. مثلاً ما معنى أن يتواجه السلاح الفلسطيني ضد بعضه بعضاً وتحت شعارات ومسميات مختلفة في وقت لم توقف «إسرائيل» حربها الخاصة ضد السلاح الفلسطيني. وما قيمة الخلاف على إدارة الأمن الداخلي في لحظة تستبيح «إسرائيل» حياة الناس وتقتل وتجرح يومياً العشرات بدءاً من شاطئ غزة وصولاً إلى جنين وكل القرى والمدن والمخيمات في الضفة والقطاع. فما وظيفة الاقتتال السياسي المسلح في وقت تدير حكومة أولمرت فوهات مدافعها ودباباتها وطائراتها على الشعب الفلسطيني وتدك المواقع والمنازل ولا تميز بين الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. فالكل عند «إسرائيل» سواسية ولا تفرق بين دماء «حماس» ودماء «فتح».

أولمرت أعلن بوضوح أنه لا يميز، وتشدد في مواقفه، معتبراً أنه لا يملك «ازدواجية» في المعايير ولا يفضل هذا على ذاك، ولا يحترم الرأي الفلسطيني، ولا ينتظر نتيجة الاستفتاء للبناء عليه، فالكل واحد وهو يرى أنه لا فائدة للانتظار، ولا قيمة للمواقف التي تأتي من الجهة الأخرى في الضفة والقطاع.

إذاً، إذا كانت النتيجة واحدة سواء كانت سلبية أم إيجابية فما قيمة أو فائدة الاستعجال وتحديد مهلة زمنية لاستفتاء لن تكترث له حكومة أولمرت ولن ينتج حسنة واحدة للشعب الفلسطيني... سوى استخدامه سلاحاً في وجه نفوذ «حماس».

الخلافات الظاهرة على المشهد السياسي بين «حماس» و«فتح» تطرح أسئلة كثيرة وعلى رأسها ضياع بوصلة الأهداف ونشوء نوع من الازدواجية في الأولويات. وحين تضيع الأولوية في البرنامج الفلسطيني وتصبح «حماس» هي المشكلة وليست «إسرائيل» فما المانع إذاً من أن يعلن أولمرت تمسكه بخطته (الانطواء من طرف واحد) ويوجه في الآن ضربة استباقية لاستفتاء ميت مهما كانت نتيجة ولادته؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً