العمل التطوعي طاحونة يجب أن تدار وتستمر دورتها بشكل طبيعي وانسيابي بعيداً عن الأهواء والمطامع الشخصية، وهذا ما أثبتته التجارب. فالحكومة تعجز لوحدها عن تحقيق التنمية بجميع أبعادها، ولابد للعمل التطوعي في جميع ميادينه أن يتصدى للقضايا التي لم تعط حقها الكافي من قبل المؤسسات الرسمية. لذلك نجد أن العمل التطوعي حاجة في مجتمعاتنا وليس ترفا، ورواد العمل التطوعي يبذلون ما يبذلون من جهود رغبة منهم في المشاركة في التنمية الشاملة، والعمل التطوعي له من الفوائد في نفس المتطوع ما لا يمكن حصرها في هذا المقال، لكن يمكن أن نجمل بعضا منها.
يحسن العمل التطوعي لدى المتطوع من النظرة الايجابية تجاه الآخرين، ويقلل من العدائية أو التشاؤمية في الحياة، ويمد المتطوع بإحساس وشعور قوي بالأمل والتفاؤل. كما أن التطوع يهذب الشخصية ويرفع عنها عقلية البخل، فالمتطوع أما أن يضحي بوقته أو أعز ما يملكه، إذ إنه لا يقدر وقته بثمن، أو أن يضحي بجهده أو بماله أو بخبراته. أما على المستوى الاجتماعي، فالعمل التطوعي يزيد من قدرة الإنسان على التفاعل والتواصل مع الآخرين، كما يحد من النزوع إلى الفردية أو الأنانية، وينمي الحس الاجتماعي لدى الفرد المتطوع ويساهم في جعل المجتمع أكثر اطمئناناً وأكثر ثقة بأبنائه. كما يخفف من الشعور باليأس والإحباط ويحد من النزعة المادية لدى أفراده ويعزز لديهم روح التضحية والايثار. ويجعل القيمة الأساسية في التواصل والإنتاج والرضا الذاتي المتصل برضا الله سبحانه وتعالى.
إلى جانب ذلك، يتيح العمل التطوعي الفرصة لتعلم مهارات جديدة أو تحسين مهارات يمتلكها أصلاً، أو قد يساهم في إبراز بعض الجوانب الايجابية ونواحي التميز الذي يمتلكها المتطوع من دون أن يشعر بها. كما يمكنه من اختيار حقل قد يختار فيما بعد التخصص فيه، كذلك يتيح للإنسان التعرف عن كثب على مجتمعه والتفاعل مع قضاياه والتعرف على أناس يختلفون عنه في السن وربما في القدرات والخبرات، ما يؤدي إلى التفاعل مع الخبرات المتنوعة، إلى جانب تبادل هذه الخبرات.
ويساعد العمل التطوعي على إنشاء صداقات وعلاقات جديدة وتنمية الثقة والاعتزاز بالنفس. وباختصار... فإن العمل التطوعي يشعر الإنسان بقدرته على إحداث تغيير ما. وكل ذلك ربما يحصل في الظروف العادية، إذا ما أراد المتطوع أن يتطوع بما يملكه بقصد التقرب إلى الله تعالى، ولكن ما يؤسف له حقا أن من يرغب في التطوع بقصد التقرب إلى الله فئة قليلة نذرت نفسها للعمل، ولاسيما هذه الأيام ونحن نعبر مرحلة جديدة مع اقتراب الانتخابات البلدية والنيابية، فهناك هرولة غير مسبوقة لشخصيات تطمح في الحصول على مناصب سياسية لم تعرف يوما عن العمل التطوعي سوى اسمه، ولكننا نجدهم بين عشية وضحاها يتسابقون لاغتنام فرص الحصول على منصب إداري في أحد المواقع الاجتماعية طمعا بنيل الوجاهة الاجتماعية إلى جانب الرغبة المستميتة في الحصول على منصب سياسي هنا أو هناك.
الطموح السياسي بحد ذاته ليس عيبا ولا يمكن تجريمه أبدا، ومن حق أي شخص يجد في نفسه الكفاءة والقدرة ويزكى من قبل أهالي دائرته، ولكن الأسلوب المتبع عيب والله، ولا يمكن بلعه ولا حتى هضمه لأنه بصراحة نوع من التسلق على أكتاف وظهور الآخرين، فالمتسلق لا يهمه إذا كان سيحصل على الفوائد التي ذكرتها في بداية المقال فهي من دون الطموح، وأشعر بالخجل وأنا أتذكر السلوكيات التي يقومون بها خصوصا عندما استحضر المشهد وهم يتهافتون على حصد قوائم الأسر الفقيرة التي تحتاج إلى مساعدات بغرض ضمان الحصول على أصوات تضمن لهم الفوز مستغلين في ذلك حاجة الفقير والمسكين، وهم كثر في البحرين، بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية وضعف الرواتب. فهي إذاً مطامع وليست شفقة بحال مثل هؤلاء.
العمل التطوعي يجب أن لا يلوث بأطماع دنيوية، فحقل العمل التطوعي يجب أن يسلكه على الدوام الأشخاص المخلصون الذين يملكون من الخبرات والجهود ما تكفي لإدارة ملف الفقر على الأقل. فالصناديق الخيرية أنشئت لغرض التنمية الاجتماعية لا سلّما للوصول إلى المناصب السياسية. ويجب على عامة الناس أن تتنبه جيدا للراغبين والطامحين، فلا يمكن أن أثق في سين من الناس وهو يحاول أن يتسلق على ظهري وكتفي بشعارات براقة أصدقها لحظة وبعد لحظات أجدها كالزبدة التي تطلع عليها شمس النهار فتذيبها بعد أن يطال وينال ما يسعى له. فالذي لديه هوس سياسي أو يرغب في الاحتراف في الجانب السياسي فعليه أن يقصد طريق الجمعيات السياسية.
وأقول لهؤلاء: لا نريد المتطوع أن يتطوع اليوم لمآرب أخرى يحققها غدا، وبالتالي كفى عبثا، ودعوا العمل التطوعي الاجتماعي لغير السياسيين حتى لا تتهموا غدا بتسييس القضايا، ووزارة التنمية آذانها وأعينها مفتوحة على الدوام وتكاد لا تفارق صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها. وأقول لأهالي المناطق عليكم أن تمحصوا من فيكم وتتخيروا لنطفكم، لا تدعوا للمتسلق مكانا بينكم لتفلحوا فيما تمضون فيه، فالمتسلق لا يصدق لا في شعاراته ولا في أفعاله... وكل ما يفكر فيه هو نفسه التي لا تشبع
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1375 - الأحد 11 يونيو 2006م الموافق 14 جمادى الأولى 1427هـ