العدد 1373 - الجمعة 09 يونيو 2006م الموافق 12 جمادى الأولى 1427هـ

الزرقاوي وعقليته

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعيداً عن صحة الكلام المنقول عن قيادة الاحتلال الأميركي في العراق بأنه استند في معلوماته عن مكان الزرقاوي إلى «وشاية» تسربت من داخل تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» فإن هذا الأمر ليس مستبعداً. فالوقائع الميدانية والتصريحات المتبادلة المنسوبة إلى الأطراف المتعددة في «القاعدة» أظهرت نوعاً من الاختلافات في التوجهات. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من سلسلة انتقادات صدرت عن جهات إسلامية مختلفة التوجهات ضد تلك التصرفات والبيانات والدعوات التي أطلقها الزرقاوي في الحض على الفتنة بين المسلمين وتحريض الطوائف والمذاهب على الاقتتال. فالزرقاوي شرع في قتل الأطفال والشيوخ والنساء والرجال والشباب والأبرياء والمدنيين والمصلين من دون شفقة ولا رحمة وذلك لسبب بسيط وهو الانتماء إلى طائفة أو مذهب إسلامي لا يتفق مع مزاجه وتوجهاته وعصبيته وتوتره.

هذا النوع من البيانات التي صدرت عن تنظيم الزرقاوي أو نسبت إليه ولم ينكرها تتعارض في جوهرها مع مجموعة توجهات تقول بها غالبية الأمة وتتركز على أن مقاومة الاحتلال شرعية ومشروعة وقتل الأبرياء والمدنيين غيلة وغدراً لا يقره الشرع ولا يقبل به الإسلام.

وبناء على هذا التعارض الذي ظهر منذ فترة ليست قصيرة يمكن إلى حد كبير تفسير سبب تلك «الوشاية». فالزرقاوي وما كان يفوح به من سلوك متطرف تحركه روح الفتنة تحول مع الأيام إلى ثقل على جماعته التي اكتشفت أنها أخطأت حين سارعت إلى تعيينه والياً على «بلاد الرافدين». فهذا التسرع كما يبدو أوقع «القاعدة» في فخ الفتنة وجلب إليها وعليها نقمة الكثير من الأطياف العراقية المقاومة للاحتلال.

عانت المقاومة العراقية الكثير من تصرفات وتصريحات وبيانات الزرقاوي. فهذه الأفعال الشنيعة التي ارتكبت باسمه طرحت في الكثير من الحالات أسئلة عن الجهة الفاعلة، ومن هو المستفيد منها؟ الأسئلة كانت مشروعة من ناحيتي توقيت العمليات ووظيفتها الميدانية. لذلك صدرت تفسيرات كثيرة تقول إن «إسرائيل» وراء تلك الأعمال، أو أن «الموساد» رتب شبكة من المرتزقة للقيام بمثل تلك التفجيرات لتغطية الاحتلال ودفع الناس إلى الخوف أو التردد في الالتحاق بالمقاومة. ولم تقتصر الأسئلة على الدور الإسرائيلي في ذر الفتنة في الرماد العراقي وانما اشتملت على الدور الأميركي وتشكيل «فرق الموت» بإدارة السفير السابق جون نيغروبرنتي. وجرى الكلام أيضاً عن وجود شبكات أمنية تديرها شركات مستقلة تجند المرتزقة من جنوب إفريقيا والسلفادور ونيكاراغوا هدفها زعزعة الاستقرار ودب الذعر والمخاوف وتأليب الناس على بعضهم بعضاً حتى يرتاح الاحتلال ويأخذ وقته في تمرير مشروعه التقويضي في العراق ودول الجوار.

سؤال من هو المستفيد من تلك الأفعال الشنيعة التي لم تترك محرماً إلا وارتكبته «مجموعات مجهولة» لا تعرف هويتها ومن يسهل حركاتها وتنقلاتها ما شكل نقطة فاصلة بين المقاومة الحقيقية التي تضرب الاحتلال وشبكات لا وظيفة لها سوى قتل الأبرياء والمدنيين والمصلين.

هذه «النقطة الفاصلة» كشفت منذ فترة بعيدة عن وجود شبهات تربط بين الاحتلال وتلك العمليات التي أعطت شرعية للإدارة الشريرة في «البيت الأبيض» ودفعت البعض إلى مطالبة قوات الاحتلال بعدم مغادرة بلاد الرافدين حتى لا تدب الفوضى ويقع الاقتتال الطائفي - المذهبي، وينزلق العراق إلى حرب أهلية تفككه إلى دويلات ومناطق ضعيفة ومتناحرة.

هذه الأجواء من الشكوك مضافاً إليها فضاءات من توترات طائفية ومذهبية أطلقت الأحقاد والكراهية وخففت عن الاحتلال عناء ضربات المقاومة... تحولت في الشهور الأخيرة إلى عبء على «القاعدة» وفروعها وقياداتها وأنصارها. وهذا الأمر يمكن ملاحظته من تلك الردود والتوضيحات والتصريحات والانتقادات التي صدرت عن التنظيم في افغانستان وغيرها. فهؤلاء وقعوا في حيرة من أمرهم ولم يعد بإمكانهم السكوت عن المذبحة المستمرة يومياً في مدن العراق ومناطقه في وقت تسرح قوات الاحتلال وتراقب عن بعد حال الفوضى «البناءة» التي تسير في ضوء تداعياتها السلبية بلاد الرافدين.

وزاد الطين بلة أن أفعال الزرقاوي والبيانات الصادرة باسمه أو المنسوبة إليه أخذت توسع من دائرة نشاطها الكريه إلى خارج العراق. وهذا ما رفع من حدة التوتر والقلق والمخاوف وخصوصاً حين أخذت الأخبار المتواترة تتحدث عن مؤامرة أميركية تديرها «البنتاغون» بهدف نقل الفتنة من بلاد الرافدين إلى الدول المحيطة بقصد اشعال الاضطرابات الأهلية لتمرير مشروعات جاهزة للتقسيم الطائفي - المذهبي.

هذا أيضاً، وكما يبدو أربك تنظيم «القاعدة» الأم الذي تحول إلى واجهة علنية لشبكات سرية تحترف قتل الأبرياء على غرار ما حصل في عمّان حين ارتكبت مجزرة ضد مدنيين في فندق. واستدعى الأمر لاحقاً ظهور شخصيات قيادية من «القاعدة» تستنكر ما حصل وتنتقد علناً مثل تلك التوجهات التكفيرية والتصرفات الهمجية. كل هذا حصل في السنوات الثلاث الماضية. وكانت الأسئلة تطرح دائماً: من هو المسئول؟ من هو المستفيد؟ لمصلحة من ترتكب مثل هذه المجازر؟ وما هي فائدة مقاومة الاحتلال من قتل النساء والأطفال والشيوخ ونسف المساجد والحسينيات والمراقد وقطع الرؤوس ووضعها في علب الموز؟

هذه الأفعال الكريهة شوهت سمعة الإسلام، وأضرت كثيراً بالمقاومة العراقية، وخدمت الاحتلال الذي نجح في توظيفها لتبرير وجوده وتغطية غزوه بإظهار تلك الارتباكات الفظيعة أمام شاشات التلفزة والفضائيات. وزادت المشكلة تعقيداً حين لم يعلن الزرقاوي براءة تنظيمه من تلك الحماقات التي لا وظيفة لها سوى تشريع الاحتلال وزعزعة ثقة الناس بالمقاومة وجرجرة المذاهب والطوائف إلى الفتنة الكبرى. وتضاعفت المشكلة في الأسبوع الماضي حين صدرت بيانات منسوبة إلى الزرقاوي تشتم مراجع دينية في العراق وخارجه وتتهم حزب الله اللبناني بالعمالة لـ «إسرائيل» وغيرها وغيرها من تصريحات لا معنى لها سوى إيقاع الفتنة بين الناس. والمستفيد طبعاً هو الاحتلال الأميركي والاستيطان الصهيوني.

الآن انتهى الزرقاوي. فهل انتهت وظيفته ودوره أم ان دائرة العنف انطلقت ولم يعد بالامكان وقفها بوجود الزرقاوي أو بغيابه؟

حصلت الكثير من الاهتزازات في السنوات الثلاث الماضية. والاحتلال الأميركي يتحمل مسئوليتها المباشرة وغير المباشرة. ولكن السؤال يبقى: هل تتلاشى عقلية الزرقاوي بعد غيابه أم انها ستواصل مسارها الكارثي في الدفع باتجاه تحطيم تلك العلاقات المستقرة بين أبناء الدين الواحد؟

لاشك في أن القصة لم تتوقف فصولها. والاحتلال سيواصل زرع الفتن والتشجيع على انشاء بؤر التوتر الأهلي واستمرار دورة العنف الرهيب. لكن هناك بعض أمل في كشف الحقائق وأسرار تلك الشبكات ووظائفها وأدوارها الشريرة. فهذه العقلية التي لوثت سمعة الإسلام وأثارت الشبهات وشوهت أهداف المقاومة لن تضمحل بسرعة وتتلاشى مع غياب الزرقاوي. فالغياب جدد طرح الأسئلة فقط أما مقاومة تلك العقلية فهي بحاجة إلى كثير من الأجوبة العاقلة من مختلف الاتجاهات والتوجهات وخصوصاً من علماء الأمة وأئمة الإسلام وشيوخه ومراجعه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1373 - الجمعة 09 يونيو 2006م الموافق 12 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً