العدد 1373 - الجمعة 09 يونيو 2006م الموافق 12 جمادى الأولى 1427هـ

الصحافة إزعاج وإنقاذ

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منذ أن حصلت البلاد العربية على استقلالها قبل نحو عقود (أكثر من ذلك أو أقل بحسب كل دولة)، وحكوماتها تتغنى بشعارات مثل الحرية والوحدة والديمقراطية والتنمية وغيرها من الشعارات الجميلة التي لم تجد لها طريقاً في بلداننا العربية، بل إننا أصبحنا أكثر المناطق تخلفاً من الناحيتين السياسية والاقتصادية. ويعود السبب الأكبر في ذلك إلى غياب الحريات العامة واختفاء الإرادة الشعبية (في السجون والمنافي) بالإضافة إلى ترهل سلطات الدولة على حساب المواطنين الذين دفعوا الثمن في كل منعطف وفي كل مرحلة من دون أن يحصلوا على حقوقهم الإنسانية التي انتشرت في كل بقاع الأرض الأخرى.

وتمثل الوضع العربي السيئ - بشكل عام - في غياب سلطة الرأي العام، وعلى رأسها الصحافة المستقلة، وغدا الخبر الرئيسي والخبر الثاني والثالث، وحتى الخبر المئة يختص بالحكومة التي لا تثق بالشعب ولا تسمح له أن يحرر ولو كلمة ناقدة صغيرة هنا أو هناك.

تغير الوضع في بعض البلدان في السنوات الأخيرة، وبدأنا في البحرين ننعم بهامش من الحرية الصحافية أعطانا الدافعية نحو تحقيق أهدافنا الوطنية من دون إذلال أو قهر أو اضطهاد. غير أننا بدأنا نسمع (من أطراف رسمية مختلفة) أخيراً نغمات توحي بالانزعاج من الصحافة، بل إن البعض ذهب إلى ضرورة مقارنة البحرين بدول أخرى لا توجد فيها حريات عامة، غافلين عن الفروقات الأخرى التي ربما لو ذكرت لأعطت صورة اخرى.

البحرين ليس لديها من عوامل القوة سوى شعبها وامكاناتها البشرية التي تحتاج إلى أن تستنشق الحرية، وتحتاج إلى أن تتنفس من خلال بيئة مغايرة لما كان عليه الوضع أيام قانون أمن الدولة. فقانون أمن الدولة كان كارثة، وأية تنظيرات تدعو إلى إرجاع جانب من ذلك القانون (أو من بيئة ذلك القانون) يعني إرجاع البحرين إلى الوراء نحو مصير مجهول.

كما أن البعض يغفل حقيقة، وهي أن الصحافة تمثل إزعاجاً من جانب، لكنها أيضاً تمثل إنقاذاً للأوضاع عند الحاجة، وهي الملجأ الأخير الذي من خلاله يمكن تحريك الأمور نحو حلول أفضل.

هذا ما نراه في جميع البلدان المتقدمة التي تستطيع معالجة أوضاعها بسبب وجود صحافة حرة... فالإدارة الأميركية ترتكب الأخطاء الكبيرة، لكن الذي يكتشفها وينقذ سمعة أميركا هي الصحافة المستقلة. فالتعذيب في سجن «أبوغريب» كشفته الصحافة الأميركية، ومذبحة «الحديثة» العراقية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (عندما قتل المارينز أكثر من مدنياً انتقاماً لمقتل أحدهم)، انما كشفتها أخيراً مجلة «التايم» الأميركية، وفيلم «فهرنهايت» أنتجته شركة أميركية... وكذلك الحال مع فرنسا عندما فضحت «اللوموند» ما كانت تقوم به الحكومة الفرنسية من تجارب نووية في بعض المستعمرات البعيدة قبل نحو عقود، وغيرها من القصص في الدول الأخرى... كل ذلك إنما أنقذ تلك الدول، وأنقذ تلك المجتمعات، وأوجد الوسيلة لحكومات تلك الدول لتصحيح المسار قبل ازدياد الأخطاء.

إن الصحافة المستقلة مزعجة، لكنها منقذة، وما على مسئولينا الكرام إلا مراجعة ما يجري في كل مكان ليكتشفوا أن دعم جلالة الملك لهامش الحرية الحالي انما هو لخير البحرين أولاً وأخيراً

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1373 - الجمعة 09 يونيو 2006م الموافق 12 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً