العدد 1371 - الأربعاء 07 يونيو 2006م الموافق 10 جمادى الأولى 1427هـ

دوار الساعة... يحتاج كوزومودو

سلمان بن صقر آل خليفة comments [at] alwasatnews.com

زمان... كان يوجد في بداية الرفاع تقاطع بسيط لأربعة شوارع تقطع الصحراء الكبيرة، وهذه الشوارع مرصوفة بالزفتة الباردة بواسطة شركة بابكو... كانت أربعة شوارع ضيقة ومتعرجة ورصفها (لك عليه)، شارع يأتي من المنامة، وشارع يأتي من خطوط النفط الممتدة إلى الجسرة، وشارع يأتي من خطوط النفط القادمة من مصنع التكرير، وشارع يأتي من العوالي ماراً بقصر الحاكم بالرفاع...

تطور الحال... وتبدل التقاطع إلى دوار صغير، ومن ثم إلى دوار كبير وبه حديقة وأعيد تخطيط الشوارع التي تصل إليه، وجددت أرضياتها، ومن ثم تحول إلى دوار به تشكيلات إسمنتية على شكل دلال القهوة التي تصب الماء في الفناجين، ثم وأخيراً أعيدت صياغة الدوار من جديد ووضعت عليه أبراج متوسطة الارتفاع ويخرج منها برج كبير يوجد عليه أربع ساعات مواجهة للشمال والجنوب والشرق والغرب بدقة شديدة ومحسوبة بالبوصلة (مثل دقة تمثال رمسيس الثاني الموجود في معبد أبوسمبل والذي تتعامد عليه الشمس في يوم عيد ميلاده) وأضيفت عليها الأضواء البرتقالية الكشافة التي جعلت مشاهدة النصب الموجود ممكنة ومن بعيد... وأطلق عليه اسم دوار الساعة...

الساعة (أو الساعات) الموجودة على البرج منضبطة على أساس أن تكون دقيقة في حساب الوقت (مثل بيج بن في لندن) ولها دقات أجراس كبيرة في كل اكتمال للساعة، وهذا شيء لا يمكن نسيانه... أتذكر أول يوم اشتغلت فيه الساعة، كانت لحظات المغرب، والهدوء يخيم على المكان انتظاراً للأذان الذي لم يبق عليه سوى دقائق معدودة، وفجأة زلزلت الأرض زلزالها... دان، دان، دان... والله لم نعرف كم رنة ولم نستطع حسابها أصلاً، إحنا من الرنة الأولى رقصنا رعباً وانتفضنا، والذي وزنه تحت الستين كيلوغرام بدأ يقفز قدمين عن الأرض في كل رنة، واهتزت جدران المنازل من حولنا، وتصافقت الأبواب في وجوهنا، وتناثرت المواعين والأكواب من المطابخ، وطارت الطيور التي كانت مستكينة على الأشجار في مدينة عيسى وفي مدينة حمد وفي سترة وبالقرب من جامعة البحرين في الصخير... وصارت عند الأسر حالات من الطوارئ...

إللي يدور عياله في البيت من حجرة إلى حجرة وعلى السطح، وإللي يتصل فيهم بالتيلفون ليطمئن على سلامتهم، وإللي يتراكض يشوف من وين جاي الصوت... الناس صارت في لوية وخبصة ومب عارفة إيش إللي صاير، وربات المنازل ركضة على عيالهم، حمود وينك إنته صاحي؟ علوي ارجع البيت بسرعة حسبي الله على إبليسك، يسفوه اطلع من الحجرة لاتتهردم عليك واقعد في وسط الحوش، مريوم اتصلي في عمك في المحرق وقولي له صار عندنه زلزال في الرفاع وخله يلحق علينه... بعدين وصلهم الخبر أن فيه دوار جديد وتوجد عليه أبراج ويعلوها ساعة ضخمة، لها أجراس ترن رنات تسري في الأجسام وتفزع القلوب، وتشبه في دقاتها دقات أجراس كنيسة نوتردام في العاصمة الفرنسية (باريس) والتي اشتهرت بعد انتشار قصة أحدب نوتردام... كوزومودو...

هي الساعة مارنت إلا مرة أو مرتين (وعلية) وبعدها ابتدأت الشكاوي منها والتذمر الشديد من صوت الرنين القوي والمزعج، فصدرت الأوامر بإسكات الصوت تماماً، لارنة ولا حنة، حتى التك تك وقفوه، وأصبحت ساعة بلا همسة، ويوم بعد يوم انقلبت الساعة التي كنا نضبط عليها ساعاتنا يومياً إلى ساعة أشباح... في الصباح الباكر والناس ذاهبة إلى أعمالها تشير عقارب الساعة إلى الثانية عشرة، وظهراً تشير إلى السابعة، وكل ساعة مقابلة إلى اتجاه معين أصبح لها وقتها الخاص أو واقفة... وأصبحنا لا نعلم هل الساعات تعمل على بطاريات وانتهى مفعولها، أم أنها تعمل على الكهرباء وضرب الكيبل، أم أنها تعمل يدوياً بواسطة شخص (مثل أحدب نوتردام)... كوزومودو...

الساعة توقفت... والأبراج المربعة والجميلة أصبح تعشش فيها الطيور، كل ذلك فقط في مدة لا تزيد على العام الواحد... حتى الشوارع الأربعة والتي تشكل تقاطع الدوار أصبحت غير عن الأول، فهي تبدلت من شوارع متوسطة السرعة إلى شوارع سلحفاتية السرعة، ودائماً فيها ازدحامات مرورية تثير الأعصاب... والحل يتطلب وجود كزومودوين، واحد للساعة وواحد للمرور..

إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"

العدد 1371 - الأربعاء 07 يونيو 2006م الموافق 10 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً