يقول ريمون ارون: إن التاريخ تراجيدي لا يعطي نفسه بسهولة، انه يدفعنا ثمناً باهضاً من الدمع والدموع ويسمى بـ «مكر التاريخ»، الإصلاح الاجتماعي والسياسي والديني يحتاج إلى ضحايا وإلى قرابين، جاليليو رقبته اقتربت من المشنقة لأنه أراد إصلاحاً علمياً، ومانديلا كي يساوي قيمة الدم الأحمر للبيض بالدم (الأسود) للسود في جنوب إفريقيا دفع نصف عمره في السجن ( عاماً)، وغاندي ذهب ضحية ذلك الهندوسي الأحمق المتطرف الذي كان يرى أن أشجار الجنة لا تنمو إلا بسقوط دم ذهبي كدم غاندي، تماماً مثل الخوارج الذين اطلقوا على أنفسهم لقب (الشراة)، أي شراة الجنة فرأوا أن أقصر الطرق إلى معانقة حور العين ضرب رأس الإمام علي (ع) في المحراب واختار ابن ملجم - وهو بالمناسبة معلّم للقرآن لأطفال الكوفة - ليلة القدر إمعاناً للحصول على الثواب، هكذا يفتحون دكاكين (دينية) للمتاجرة بمخدرات دينية ينشرونها بين أوساط الشباب للسيطرة على العقول فما يحصل في العراق من ذبح خير دليل على ذلك، مازال هناك مجموعة من الكاثوليك تكره مارتن لوثر الذي قاد عملية الإصلاح الديني في أوروبا على رغم انه كان من المساهمين لانطلاقة النهضة الاوروبية في بناء المجتمع المعرفي الذي يقدس العقل، وكذلك هيجل وديكارت اللذان أسسا للفلسفة التي تقوم على السؤال لا على الخرافة والأساطير والمثولوجيا.
أقول: التاريخ له أنياب، وليس من السهولة أن يقبل التغيير والتحديث، لذلك نجد العادات الخاطئة هي الباقية، وكثير أرادوا التحديث وجر التاريخ بسلاسله للتغيير الا انه آثر سحقهم، الا أن التحولات التاريخية لابد منها فما فعله جوربتشوف من إعادة البناء (البروستريكا) هيأ الظروف لتصدع جدار الاتحاد السوفيتي التي تحنط في التاريخ وراح الآن يلهث وراء التغيير والتحديث.
الداعية التنويري محمد عبده دعا - على مستوى الإصلاح الديني - إلى تطوير المناهج التعليمية في الأزهر وكثير من هؤلاء.
إذاً كلفة الإصلاح كبيرة تحتاج إلى مضحين يمتلكون قلوباً حديد مصفحة ضد الصدمات، ولعل سر نجاح جمال الدين الأفغاني هو إيمانه بـ «خطاب الصدمة» في كسر التابو السياسي والاجتماعي، يعرف هيغل الفلسفة: إنها القبض على الواقع من خلال الفكر، كي ترقى الديقراطية يجب أن نرعى كل الطبقات وخصوصاً المتآكلة منها، وإن أهم ما في التغيير هو إصلاح الفكر قبل إصلاح المباني، إصلاح الثقافات قبل إصلاح البنى التحتية، التغيير يعنى الاعتراف بالخطأ والإعلام العربي بحاجة إلى الاعتراف بالأخطاء والاستفادة من تجارب الآخرين. (اقرأ كتاب رؤيتي للشيخ محمد بن مكتوم) عن كيفية بناء دبي والمشروعات الضخمة. هناك، في وزاراتنا مديرون متنفذون يريدون تأخير عجلة التنمية ويضعون مساحيق على وجوهم بأنهم مع الإصلاح، لكن طرق تعاملهم مع التغيير بطيئة جدافهم يقطرون إصلاحاً قطرة قطرة كالحنفية، وهذا هو سبب انتشار الإصلاح في بعض المؤسسات وتباطؤه في بعضها الآخر.
يقول هاشم صالح: «أنا لست متفائلاً للتغيير في العالم العربي، فإنه لن يبدأ قبل عام ، هذا إذا ابتدأ»، اقول: هناك أمل بالتغيير شريطة الالتجاء للعقل النقدي، نريد ديجولاً عربياً لا نريد استنساخ عنزة ولا ضفدعة، نريد استنساخ خلايا شخص مثل غاندي وحد المسلمين والهندوس ودعا لكل المشروعات الوطنية ضد الاستعمار الإنجليزي ولم يرق قطرة دم واشتغل على الإصلاح الاقتصادي، قيمة أي قائد شعبي هو حفاظه على الدماء مع دعوته للحفاظ على المبادئ والسلم من دون إلغاء للعصر.
اثبت علماء السوسيولوجيا أن الفقراء لا يفتحون أفواههم إلا للديمقراطية التي تقطر عسلاً ودسومة، إنها ديمقراطية الخبز، كل الخطابات القابلة للاشتعال كاعواد الكبريت التي تعرض تحت قبة البرلمان من النواب لا تسيل لعاب الفقراء، ما لم تطبخ لهم خبزاً أو توفر لهم عشا دافئا. كي لا نشعر بأي اختناق سياسي لابد من نشر اكسجين الإصلاح في كل مكان
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1371 - الأربعاء 07 يونيو 2006م الموافق 10 جمادى الأولى 1427هـ