العدد 1371 - الأربعاء 07 يونيو 2006م الموافق 10 جمادى الأولى 1427هـ

مؤتمرات الحوار اللبنانية وقذائفها

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كنت في بيروت حديثاً، بدا الطقس فيها معتدلاً ومنعشاً، على خلاف منطقة المتحف التي مررت بها حيث تتراص الذبابات على جانبي الشارع الممتد من المتحف الوطني إلى المبنى الأصفر المجاور لمجمع «السديكو التجاري»، والمتهتك بفعل آثار القذائف التي اخترقته منذ زمن الحرب الأهلية. المبنى لا ريب يمثل شاهداً حياً ويقظاً على فظاعة الحرب والمعارك التي مرّ بها لبنان. قوات الجيش اللبناني منتشرة وتتوزع على جانبي الشارع، تحرس المركز الثقافي الفرنسي، وجامعة القديس يوسف، والكنيسة المجاورة والكلية الطبية المقابلة لها، فالمنطقة تبدو كأنها مقاطعة فرنسية، حتى المكتبتين اللتين طرقت بابيها في الشارع القريب من الجامعة لا تبيعان الكتب باللغة العربية ولا الإنجليزية سوى الفرنسية وصحيفة «الحياة». أما شارع الحمراء الذي تم تجديده منذ سنتين ليتماشى مع زمن السياحة والإصلاح المفترض، كان يرجف هو الآخر من الخوف والتوتر والقلق، فالمحال ما تلبث أن تقفل أبوابها من السابعة مساء، والحركة والنشاط ليسا كما اعتدنا في السنوات الماضية، أي قبل بدء ربيع لبنان.

مظاهر الالتصاق والاحتماء بالطوائف تطل برؤوسها وتزدان بأعلامها إطلالة الشرفات وأبواب المحال التجارية وعلو المنازل، وواجهات العمارات والساحات، فصور الذين فقدوا بفعل آلة الموت بارزة في كل زاوية ومنعطف، تتحدث صامتة عن عمق التجاذبات بين أطراف الصراع اللبنانية. منذ شهرين مضيا وقرب «مجمع السديكو» تحديداً شهدت الساحة تجمعاً احتجاجياً على الحوار الوطني اللبناني الذي توالت جلساته لاحقاً إذ وصفه بالحوار الطائفي.

وفي موازاة الحوار الوطني اللبناني، يمرّ لبنان على خطوط تماس وتوازى هنا وهناك بسلسلة من حوارات وطنية متنوعة تتخللها لقاءات ومفاوضات ومسيرات واعتصامات وشعارات مكثفة تكشف عن أصداء الضجيج الذي لحق بالساحة اللبنانية منذ اغتيال رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان. فحسب الأخبار الواردة ان الزعماء اللبنانيين المشاركين في الحوار، أخفقوا في حواراتهم بشأن تنحية الرئيس اللبناني ونزع سلاح المقاومة، على رغم ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله لمجابهة الأطراف الأخرى في الحوار. نقول ومع ذلك، فقد عقدوا العزم على إجراء جولة مقبلة من المحادثات التي ستبحث في الاستراتيجية الدفاعية للبنان لمواجهة العدوان الإسرائيلي المرتقب.

في السياق، تجمع حشد جماهيري في مايو/ أيار في صيدا، وبحضور تيار عون وحزب الله وممثلين عن الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية والتنظيم الناصري وقيادات سياسية، يهدف الحشد بحسب زعمه إلى تخطي مآسي الماضي والوقاية من أسباب الفتنة، وتعزيز تضامن اللبنانيين وصون وحدتهم الوطنية من الأخطار الداخلية والخارجية. الأطراف ذاتها أكدت في ندوة سابقة بصيدا، أن خطابها وطني متميز وبعيد عن الفئوية والطائفية ولا يرتكز على إثارة الغرائز بل على الانتماء الوطني والانفتاح والتعبير عن مواقف الجماهير وتطلعاتها.

من طرف متصل، عقد «التجمع الوطني للإنقاذ والتغيير» مؤتمراً في مايو ، في «الميريديان كومودور» بالحمراء وسط بيروت، وتحت شعار «من أجل تحالف القوى الوطنية اللاطائفية، وتفعيل دورها في مواجهة الطائفية والتخلف والتبعية، ومن أجل الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والإصلاح السياسي وكرامة الوطن والمواطن». حضر المؤتمر نائبان برلمانيان، ونجاح واكيم ممثلاً عن حركة الشعب وكذا الحزب الشيوعي اللبناني والحزب اللبناني السوري القومي الاجتماعي ونقابات عمالية واتحاد المرأة اللبنانية وقوى وفعاليات سياسية ذات طابع ديمقراطي تقدمي ولا طائفي بحسب وصف إحدى الحضور، إذ إن التنكر للطائفية شرط من شروط العضوية للتجمع الوطني. في لبنان، في زمن اللهو والحرب، هل لأي كائن لبناني كان التنكر للطائفية والمذهبية؟

واكيم في كلمته الافتتاحية، أشار إلى أن «الإصلاح الحقيقي، بات مرادفاً للإنقاذ وهو إلغاء للطائفية، والطريق يبدأ بقانون انتخاب جديد خال من كل قيد طائفي». وأضاف «إن التظاهرة التي قادتها هيئة التنسيق النقابية شكلت صدمة لمن يحاول تمرير (الورقة الإصلاحية)»، ورأى أن «المقاومة تتعرض لهجمات شرسة تحت مظلة الشرعية الدولية، وهناك قوى محلية تواكب هذه الهجمة وتمهد لها، ودعا إلى وضع خطة لتحركات شعبية متواصلة، والعمل مع النقابات وسائر القوى الشعبية للتصدي لسياسة الحكومة على هذا الصعيد».

دارت بعدها حوارات حول الورقة السياسية التي تضمنت قضية المطالبة بسن قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، واعتماد النسبية وخفض سن الاقتراع إلى الثامنة عشرة، وإجراءات إصلاحية على مستوى الإنفاق الانتخابي والإعلامي، فضلاً عن انتقاد تكريم السفير الأميركي جون بولتون، والتعبير عن التخوف من عقد صلح منفرد مع «إسرائيل» وإلغاء الطائفية السياسية، وتعزيز العلاقات السورية اللبنانية.

على مستوى الاقتصاد، طالب المجتمعون بتحديد أسباب العجز والدين العام، وحال الاختناق الاقتصادي والمعيشي التي يعاني منها اللبنانيون، واسترداد المال المنهوب كمدخل لمكافحة الفساد السياسي وتشكيل هيئة وطنية لملاحقة ذلك والضغط باتجاه المكافحة والمحاسبة، واتفق الجميع على أن «الورقة الإصلاحية» التي قدمتها الحكومة، ما هي إلا استمرار للسياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية منذ العام ، فالورقة الإصلاحية لا تعالج الأزمة إنما تفاقمها. وركزت التوصيات الختامية على أهمية نشر ثقافة المقاومة ودعمها وتعزيزها في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني، وإقامة أفضل العلاقات مع سورية، وعلى المستوى الشعبي والتخلص من ارث الماضي!

بقى القول إن واقع الحراك السياسي يصوّب قذيفة من الحقائق المزعجة نحو اللبنانيين تقض مضاجعهم، فعوضاً عن احتمالية الصراع الأهلي، لا وجود للدولة التي توفر الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمواطن اللبناني يئن، والمشهد الغالب الذي يتلمسه ويتحسسه الزائر من الوهلة الأولى، أن الوضع متأزم وقابل للانفجار في أية لحظة. إنه ينذر باحتمالية الحرب الأهلية، والمفارقة يكشفها لنا الكاتب سعد محيو، في «الخليج» الإماراتية: «إن حزب الله نفسه الذي يمثل الشرائح الزراعية والعمالية الشيعية في الريف والمدن، ويشارك في حكومة السنيورة، لا يبدو أنه يعارض جوهر ورقة الإصلاح ولا الفلسفة الاقتصادية الكامنة فيها». طبعاً هي ذاتها الورقة التي يجدها «التجمع الوطني للإنقاذ والتغيير» في مؤتمره الأخير انها استمرار للأزمة منذ بداياتها. الكاتب يضيف أن «حركة أمل تستفيد من الصفقات الدسمة التي يستحلبها رئيسها من هذه الفلسفة، وان التيار العوني لا يشارك في التظاهرات ضد الحكومة لأنه يعارض توجهاتها الاقتصادية الاجتماعية، لا بل إنه يعتبرها عقبة في وجه طموحات جنراله المتطلع أبداً إلى عرش بعبدا».

للعلم، رئيس حركة «أمل» هو ذاته صاحب مبادرة الحوار الوطني، أما عون فصوته يلعلع مع المنادين إلى تخطي مآسي الماضي والوقاية من أسباب الفتنة. كيف؟ إنها فزورة لبنانية بامتياز يحتاج المواطن اللبناني والعربي إلى فك رموزها وألغازها، ومن ثم استيعابها.

خلاصة الحكاية: إن استمرار الحوارات واللقاءات والخطب ذاتها في المؤتمرات والتجمعات الجماهيرية وبالرتم ذاته، لن يفرز من نتائج إلا ما تجاهد الطبقة السياسية والطائفية اللبنانية إلى إعادة ترسيمه وإنتاجه من خلال لعب أدوارها المرحلية الجديدة وعبر صراعاتها وتحالفاتها واستقوائها بالخارج وبالطائفة والمذهب على مستوى الداخل، كل ذلك لغاية الحفاظ على مكتسباتها، وتحقيق مصالح الفئة والطائفة على حساب المواطن اللبناني. إلى ذلك، هل جميعهم على حق وصادقون في مناداتهم ليلاً ونهاراً بمحاربة الطائفية والفئوية؟

بالنسبة إليّ شخصياً: أشك في ذلك. والشك في الحال اللبنانية أمر بديهي للغاية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1371 - الأربعاء 07 يونيو 2006م الموافق 10 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً