على رغم انقضاء أكثر من عام على انطلاقة الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية، وما أثارته من توافق وطني على المستوى الحكومي والأهلي، فإن الدور الرقابي لايزال مغيّباً عنها. كان لزاماً على المهتمين بالشأن النسائي ألا ينظروا إلى هذه الاستراتيجية كوثيقة صادرة من جهة رسمية وينأون بأنفسهم عن المشاركة والمراقبة، إذ لاتزال الحاجة ملحة بشكل كبير إلى النهوض بالمرأة البحرينية، فهي لاتزال تعيش أزمتي المكانة والدور. وهنا نتساءل: ألم يحن الوقت بعد للحديث عما بعد التمكين؟
إن اتساع فجوة النوع الاجتماعي وفقر المرأة وتدنى مشاركتها في إدارة الموارد الاقتصادية والبيئة، وغيابها عن دوائر صنع القرار، وسوء تمثيلها في وسائل الإعلام، وقد أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول للعام ، إلى أن تمكين المرأة من أهم معوقات التنمية في البلدان العربية، لذلك بدأت هذه الدول تسارع في وضع الخطط والبرامج لرفع مشاركة المرأة في الحياة العامة. والبحرين لم تكن بعيدة عن هذا التوجه، إذ أطلق المجلس الأعلى للمرأة يوم مارس/ آذار الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة، وتهدف إلى تغيير الصورة النمطية للمرأة والمساهمة في تمكينها. وطرحت الاستراتيجية بسقف عال، وهو توجه عالمي مطلوب بدءاً من استراتيجيات النهوض بالمرأة التي أقرت في نيروبي ()، مروراً بالمؤتمر العالمي الرابع للمرأة (بكين )، وانتهاءً بوثيقة الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، التي أعلنتها الأمم المتحدة، ووقعتها دولة من بينها البحرين، وهي بمثابة تعهدات على العالم مواجهتها حتى العام ، في مقدمتها مكافحة الفقر وتطوير التعليم وتمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين.
الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة لم تحدد بمدى زمني معين، ما يحلّها من أي التزام، إلا أنها تجاوزت مرحلة المساعدة التي كانت سائدة عبر برامج وزارة التنمية الاجتماعية الى إطار الاستراتيجيات الإنمائية الوطنية المرفقة بالمشروعات الخاصة والأنشطة، والتي تركزت غالبيتها في التمكين السياسي وكأن المرآة البحرينية تجاوزت أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وبذلك تحولت تلك الأنشطة إلى رفاه اجتماعي ومشروعات نخبة.
إن تبني أي برنامج يقوم على منظومة تحليل المعلومات، والبرامج الخاصة بالمرأة لا تخرج عن ذلك، فينبغي إجراء بحث حال المرأة البحرينية عن كثب في مجمل المناطق والقطاعات، ترصد فيها الاتجاهات الحالية، وتوضع برامج التدخل القائمة على أساس الاحتياجات، وليس استنساخ وإسقاط برامج الآخرين علينا، مع احترامنا لتجاربهم. فنصف الحل هو معرفة المشكلة، ولا يتسنى لنا ذلك إلا بالنزول الى القاعدة الجماهيرية، فالوطن شراكة، وعلى الجميع المساعدة لإحداث التغيير نحو الأفضل، وهذا يجعل من تطبيق هذه الاستراتيجية الوطنية على مستوى الدراسات والدعوة والتشريعات والتخطيط، وتنفيذ البرامج وتقييمها على نحو تساهم فيه جميع الجهود الحكومية والأهلية، إذ حان الوقت للبدء في تشكيل لجنة وطنية تتصدى لمهمات التخطيط والتنفيذ تساندها فرق عمل في الوزارات ومؤسسات المجتمع المحلي والأوساط الشعبية لتحديد الأولويات والمتابعة والاستثمارات اللازمة لتنفيذها على مستوى كل قطاع.
وإذا أردنا أن تكون مشاركة المرأة في الحياة العامة منظمة وفاعلة، لا مجرد رديف للرجل، أو طرفاً اجتماعياً قاصراً، ينبغي التعامل مع قضية المرأة بوصفها إنساناً له حق التصرف في حياتها الشخصية من حيث حرية اتخاذ القرار فيما يتعلق بالزواج والطلاق والإنجاب والدراسة والعمل. وبوصفها مواطنة تتمتع بالحقوق السياسية في الترشيح والانتخاب، والمشاركة في صنع القرار، ونقل جنسيتها لأطفالها، وبوصفها فرداً فاعلاً اجتماعياً في تأسيس الجمعيات وإدارة الأعمال.
كما لا ينبغي ربط تغيير مواقف الرجل بتغيير الأوضاع فيما يتعلق بمشاركة المرأة، إذ حث الرجال على تغيير مواقفهم إزاء المرأة لا يمكن إلا باعتماد منهجية الشراكة بين الرجل والمرأة، وهذا الأمر ربما يطول لكنه مقرون بعمل المرأة الجاد نحو التميز بالجدارة وبالاستحقاق، إذ تحاول بتقديم نفسها كمواطنة عاملة لها برنامج خاص، لا لكونها امرأة منتهزة أن العالم اليوم يجنح نحو إبراز الوجوه النسائية في فاترينات السياسة والإعلام، فإذا فشلت المرأة فسنعود إلى المربع الأول أيام الجاهلية الأولى، عندئذ لن نجد من يرحمنا... حتى جدراننا ستمزق ما نعلقه عليها من منشيتات عريضة تحمل عناوين براقة: المرأة والتمكين والمرأة والبرلمان، و... فهل نرضى ذلك لأنفسنا؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1371 - الأربعاء 07 يونيو 2006م الموافق 10 جمادى الأولى 1427هـ