المال مال الله، والقسمة بين الناس تكون بالعدل، والعدل يستوجب الإفصاح والشفافية... وإذا ما أردنا دولة ديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات، ومملكة دستورية فعلينا التخلي عن بعض التقتير في المعلومات والتعتيم على الأرقام، ولن تفيد الإشاعات التي يتم تصديرها إلى الناس من هنا وهناك، للتعمية وتضييع «الطاسه».
الإفصاح، من أين حصلت على المال، وما هي أوجه صرفه؟ وهل التزمت بالعدل في توزيعه، أم رافق عملية التوزيع ضيم لحق ببعض الأطراف؟ كيف تنفقه؟ هل في صالح البلاد والعباد؟ وإذا كان كذلك، فلماذا أنت خائف من الإفصاح!؟ بل على العكس، إن الإفصاح بكل شفافية عن الموازنات يعتبر خطوة شجاعة، ومبادرة جسورة ناحية الشفافية التي ننشدها جميعاً... فالإفصاح في حد ذاته بادرة إيجابية، صحيح أنه يتبعها قليل من الكلام والعتاب، وهكذا هو الحال في غالبية الأحوال، إلا أن ذلك يسجل بمداد من نور في وقت العتمة والظلام.
كان اهتمام الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وتشدده في مسألة أموال المغانم التي في يد الولاة على الأقاليم والأمصار والتي في بيت مال المسلمين دقيقاً وكبيراً جداً، ذلك أن المال هو عصب الدولة وقائمتها وشريانها، الذي لولاه لكانت الدولة والجماعات التي تقيم في ظلها عرضة للنهش و«الهبش» من المافياوات والعصابات الداخلية، والقوى الإمبراطورية الطامعة المحيطة بالدولة الإسلامية حينئذ.
لم يكن عمر بن الخطاب (رض) يستأثر بمال بيت المسلمين له ولعياله من دون الناس، بل كان يقتر على نفسه أشد التقتير حتى كاد أن يبيت جوعاناً والفقير شبعاناً. لم يكن الفاروق (رض) يضرب بيديه مال المسلمين بل همَّ، كما في بعض الروايات، بضرب أحد الولاة لصرفه بنوع من البذخ من بيت مال المسلمين... وكان يحاسب الولاة قبل تعيينهم ويحسب عليهم ما يملكونه من أموال (منقول وعقار)، وهكذا هو كان يحاسب الولاة حساباً شديداً، ويحثهم على العدل مع الرعية، والعدل هنا ليس عدلاً قضائياً، أي الفصل في القضايا والخصومات؛ بل هو عدل في توزيع الثروة بين الناس، وهذا هو الأهم!
الإفصاح والعدل من مميزات الحكم الصالح، ففي الإفصاح عن الموازنات والأرقام معرفة ما هي مصادر دخل الدولة؟ وما هي أوجه صرفها؟ وإلى أين تسير الدولة، وما هي خططها المستقبلية؟ إلخ من أسئلة تقنية يعرفها أصحاب الاختصاص. أما العدل، فلا يستطيع أحد أن يحكم على دولة ما بالعدل إذا لم يعرف كيف يتم توزيع المغانم والمغارم فيها. فالحكم الصالح يستوجب الإفصاح والعدل، وهما ما ينتظره جمهور الناس دائماً، وعلى أساسهما يتم الحكم على هذا النظام أو ذاك بأنه صالح أم طالح
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1370 - الثلثاء 06 يونيو 2006م الموافق 09 جمادى الأولى 1427هـ