حسناً فعلت وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي في اجتماعها بمندوبي الصناديق والجمعيات الخيرية صباح الاثنين الماضي.
القاعة كانت غاصّةً بمندوبي أكثر من سبعين صندوقاً وجمعية خيرية، أعمار الغالبية العظمى منهم فوق الأربعين. وبعضهم وصل قبل الاجتماع بفترةٍ من الوقت ليأخذ مكانه، دليلاً على أهمية اللقاء. وأنت تتنقل بعينيك في الحاضرين تأخذك مشاعر الغبطة والاطمئنان، من أن هذا المجتمع بخير، على رغم الموجة المادية الكاسحة التي تجتاح مجتمعاتنا الإسلامية. هذه النخبة الطيبة إنما هي خلاصة مجتمعٍ مازال يتمسك بتلابيب التعاليم الإسلامية وتوجيهاته، التي تشع بقيم الرحمة والتكافل والإخاء. مثل هؤلاء المتطوعين في العمل الخيري منذ سنوات لا يقال لهم: «إذا لم تفعلوا كذا فإن مجالس إدارات مؤسساتكم غير شرعية». من هنا كانت غضبتهم كبيرةً، وكبيرةً جداً في اجتماعهم الأخير قبل أسبوع بنادي سار.
الوزيرة بدأت حديثها بلغةٍ تصالحيةٍ فيها الكثير من التطمينات، فكان مما قالت: «نحن نثمّن عمل الصناديق الخيرية التي تعتبر جهةً اجتماعيةً مهمةً تساند عمل الحكومة في توفير الخدمات، وهو ما يجعلها تلعب دوراً حيويّاً ومهمّاً في خدمة المجتمع المحلي».
الوزيرة حاولت أن توضح الإشكالية القانونية للموضوع، من حيث ان عمل الصناديق الخيرية لأكثر من عاماً كان تحت القانون الذي ينظّم عمل المؤسسات الخاصة، التي تعمل اعتماداً على وقفٍ أو هبةٍ أو رأسِ مالٍ تستثمره في عمل اجتماعي محدد، بينما آلية عمل الصناديق أقرب إلى الجمعيات الخيرية من حيث انتخاب الإدارات والجمعية العمومية وتسديد الاشتراكات. وأشارت إلى أن ذلك خطأ لابد من تصحيحه، لاسيما أن القانون يحظر على المؤسسات الخاصة جمع الأموال.
الطريف ان الوزارة لم تكتشف هذا الخلل القانوني «القديم» إلاّ بعد رفع طلبٍ للدائرة القانونية بخصوص أمر قانوني آخر، فتبين وجود هذا الخلل في عمل الصناديق، فحدث ما يشبه الهزّة أو «الزلزال»! وبالتالي صدر ذلك التعميم التاريخي لتصحيح وضع الصناديق الخيرية التي لا تسير بحسب القانون!
المهم، ان الإشكالية القانونية اتضحت للجميع، وتحدّث كثيرٌ من المندوبين عن مخاوفهم الكثيرة بصراحة، فقدمت لهم الوزيرة تطميناتٍ تتكفّل فيها بإنهاء الإجراءات القانونية اللازمة لتحول الصناديق إلى جمعيات خيرية، خلال شهور إذا تلقت موافقتها على التحوّل، لإنهاء هذا «الإشكال» القانوني المفاجئ.
من بين أهم الهواجس، الاحتفاظ باسم «الصندوق»، وعدم عرقلة عملها خلال هذه الفترة، وترك فسحة من الوقت لمراجعة مجالس الأمناء، وهي أمورٌ وافقت عليها الوزيرة، في بادرةٍ طيبة تبشر بروحٍ من التعاون نتمنى أن تحكم العلاقة على الدوام.
الآن، كل صندوق خيري سيراجع مجلس الأمناء لتدارس نتائج اللقاء، ومن المتوقع أن تدعو اللجنة التنسيقية للصناديق إلى اجتماع جديد للخروج بقرار جماعي يخدم مصلحة الطبقة المطحونة في هذا البلد، (التي تعيش تحت خط الفقر)، وقبل ذلك مراجعة المحامين والقانونيين لضمان عدم وجود أية «ثغرات» مستقبلية عند قبول التحول إلى قانون الجمعيات، تحاشياً لما يمكن أن يحصل من إشكالات، كما حصل مع «الثغرة» القانونية التي اكتشفت بالصدفة قبل ثلاثة أشهر!
في مقال السبت دعوت الوزيرة إلى مدّ يدها لملاقاة الصناديق في منتصف الطريق، واليوم أدعو الصناديق إلى مراجعة القانونيين، فإذا اطمأننتم فتوكلوا على الله. الحل بدا أسهل وأقرب منالاً، ورهاننا الأكبر على طيبة هذا الشعب الكريم
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1370 - الثلثاء 06 يونيو 2006م الموافق 09 جمادى الأولى 1427هـ