في الخامس من يونيو/ حزيران من كل عام يحتفل العالم بيوم البيئة العالمي، ونتذكر نحن العرب نكبة حزيران ثم ننساها مع كل النكبات الأخرى التي تلتها منذ العام حتى اليوم، حتى فقدنا القدرة على العد والتذكر! بل نحن لم نتورع عن إضافة نكبات جديدة كل عام بعضها عسكري وسياسي واستراتيجي والكثير منها بيئي ومصيري.
موضوع هذا العام كما أعلنه برنامج الأمم المتحدة للبيئة هو «الصحاري والتصحر» وتحت شعار: «لا تهجروا الأراضي القاحلة». وبقدر ما بودي إطلاعكم على الوضع العالمي للتصحر وفقدان الأراضي الزراعية للأبد لصالح العمران أو ليس لصالح أي شيء صالح أصلاً، فإن علي التركيز على وضعنا المحلي، فالحديث عما يجري في العالم سهل على كثيرين لكن ما يجري هنا في ديارنا هو ما يسكت عنه. فاسمحوا لي أن أتابع محاولاتي لكسر الصمت التي بدأتها مع جمعية أصدقاء البيئة منذ ست سنوات، عل الكلام يسهم في فهم الواقع وتوقع سيناريوهات المستقبل وبالتالي تغيير توجهاتنا وسلوكاتنا اليوم لأجل مستقبل أفضل.
كان شعار يوم البيئة العالمي للعام «الألفية الجديدة... حان وقت العمل» وبدأنا حينها العمل بتدشين أول موقع بيئي عربي على الإنترنت للتوعية البيئية باللغتين العربية والانجليزية، ومنه انطلقت نواة أول جمعية بيئية في البحرين تؤسس من قبل شباب بحريني تحت قيادة نسائية وتحوي في عضويتها نساء ورجال وأطفال البحرين بتنوعهم الثقافي والعرقي وتوجهاتهم الفكرية والسياسية جميعاً لأجل هدف واحد وهو حماية بيئة البحرين عبر نشر الوعي البيئي. ومع نمو هذه الجمعية بدأ التأسيس للعمل البيئي الأهلي المنظم وبدأ دور الضغط الأهلي لتحقيق حماية أكبر للبيئة في البحرين. هذه الجمعية تحملت مسئوليات جسيمة ونجحت بعد محاولات عدة في تكوين تحالفات بيئية فاعلة مع مؤسسات أخرى تحمل بعض الهموم البيئية التي أثقلت كاهل أصدقاء البيئة، وكان من أهم تلك التحالفات اللجنة الوطنية لحل مشكلة الأكياس البلاستيكية العام ومن ثم التكتل البيئي لحماية فشت العظم الذي أسسته العام مع نقابة الصيادين والجمعية الأهلية للهوايات البحرية.
وكان من القضايا التي تبنتها جمعية أصدقاء البيئة قضية تدمير المزارع والتعدي على الحزام الأخضر، وقد كان لصحيفة «الوسط» بالذات دور إيجابي مع الجمعية في الكشف عما يجري للمزارع وعلى الأخص في بني جمرة ومحاولة إنقاذها وتحقيق نجاح مرحلي قبل أن يفاجأ الجميع بتصريح من الجهة التنفيذية المعنية بأن القانون لا يحمي المزارع خارج الحزام الأخضر.
وكان لأصدقاء البيئة مواقف مع أراضي الحزام الأخضر حدت ببعض الأشخاص إلى الاتصال بالجمعية وإبلاغهم أن بعض المسئولين في الجهة التنفيذية أخبروهم أنهم لا يمانعون في إعطائهم أذونات للتعمير في أراضيهم الواقعة في الحزام الأخضر لولا قلقهم من جمعية أصدقاء البيئة، فضلاً عن الهجوم الذي تلقته الجمعية عبر الصحف من بعض المستثمرين وبعض الصحافيين الذين وقفوا مع المستثمرين.
كان من أهم مظاهر النجاحات التي تحققت في قضية الحزام الأخضر مسيرة الجمعة الخضراء في ديسمبر/ كانون الأول مع احتفالات البحرين بالعيد الوطني، للتأكيد على أن الدفاع عن بيئة الوطن ورئته وتراثه الزراعي والبقية المتبقية من بيئات مياهه العذبة بتنوعها الحيوي هو جزء من حب الوطن والوفاء له والاحتفال بأعياده. ونشرت الجمعية خلال المسيرة نسخة من مرسوم بقانون حماية النخيل الصادر من الأمير الراحل (رحمه الله) في الثمانينات، والذي يحدد عقوبات تصل إلى الغرامة والحبس لمن يقطع النخيل أو يهملها أو يتسبب في إيذائها. وكان من مظاهرها الوقفة المشرفة لنواب الشعب مع رفض التعدي على مناطق الحزام الأخضر ومساءلة الوزير المختص الذي أعلن حينها على الملأ أنه لم ولن يسمح بالتعمير في الحزام الأخضر. الأرض التي أثار أصدقاء البيئة حولها القضية لم يتم التعمير عليها حتى الآن، لكنه لم يتم إعادة زراعتها واستخدام المياه المعالجة في ريها كما اقترحت الجمعية ومن وقع على احتجاجها في يوم الجمعة الخضراء، بل هجرت وتركت أرضا قاحلة إلا أن هطول الأمطار كان ينبت فيها العشب البري الأخضر الذي يبعث الأمل في نفوسنا كلما نظرنا إليه. ومازلنا نقرأ: «منطقة تجريف الحزام الأخضر» في موقع اللافتة التي علقها أصدقاء البيئة في الشارع المواجه لتلك لأرض في يوم البيئة العالمي للعام ومزقت في اليوم التالي.
النجاحات طبعا مرحلية وقليلة مقارنة بالجهد التطوعي العظيم المبذول لتحقيقها «جزئيا بسبب ضعف الإمكانات المتاحة فحتى الآن لم يعتمد مقر دائم أو مؤقت لجمعية أصدقاء البيئة على سبيل المثال»، وكان من الإخفاقات (في حق رقي وحضارة وثقافة البحرين) التي بليت بها قضية الحزام الأخضر أن أسست لجاناً لدراسة الموضوع بعد ذلك من قبل جهات تنفيذية ومجالس بلدية بالدرجة الأولى، لم تدع لها جمعية أصدقاء البيئة بل لم تعلم أصلا بها حتى قرأ الجميع آثار توصياتها ومنها خطة المواءمة التي تقضي على البيئة لتوائم هوى المستثمر على حساب الأرض الزراعية التي تجرف وتصحر وتحول إلى أحزمة اسمنتية فتخسر البحرين كل ما كانت تقدمه الأرض الزراعية لصالح مكاسب لأفراد قلة من ملاك الأرض التي ما من أحق من البحرين بشرائها وتملكها إذا كانت لا تستطيع منع مالكها من تدميرها. لكننا كمؤسسات مجتمع معنية بالأمر وكأفراد متخصصين ومهتمين بالتراث الزراعي والتنمية المستدامة ومنها الاستثمار الرشيد عبر السياحة البيئية لم نستشر ولم ندع إلى طاولة حوار، كما هو الحال في جميع القضايا البيئية المصيرية.
ويبقى السؤال: في أي يونيو، وتحت أي شعار سيدرك متخذو القرار والمؤتمنون في الجهات التنفيذية والمنتخبون من قبل الناس في المجالس البلدية ببلد المؤسسات وفي عهد الديمقراطية، أهمية الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني وأهمية الوضوح والصراحة والاحترام في التعامل مع هذه المنظمات الأهلية التطوعية التي تعمل لأجل الأهداف ذاتها المدونة في الوثائق التأسيسية لتلك الجهات؟
إلى أن يحين ذلك الوقت فإن عبارة مثل: «لا تهجروا الأراضي القاحلة» لا يمكن أن يكون لها أي صدى، والأسوأ من ذلك ألا يحين ذلك الوقت إلا وقد حولنا أراضينا الزراعية (لا سمح الله) إلى أراض قاحلة إن أمكن إحياؤها فلن يتحقق من دون كلف باهظة جدا ووقت طويل لا يملكه من حرم أمنه الغذائي وحصنه الطبيعي في مواجهة التلوث وظواهر تغيرات المناخ وغضب الخالق لعدم شكر النعمة
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1370 - الثلثاء 06 يونيو 2006م الموافق 09 جمادى الأولى 1427هـ