على رغم فشل رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي في تسمية شخصين لأهم منصبين في عراق اليوم وهما وزيرا الدفاع والداخلية، فإن فشله يعد نجاحاً يحسب لمنهج المالكي في البحث عن التوافق البناء بين مختلف الأطياف السياسية في العراق.
إن الواقع السياسي الذي أفرزته الانتخابات البرلمانية الاخيرة يؤكد أن المالكي قادر على ترشيح وتسمية من يريد لمنصبي الدفاع والداخلية، إلا أن إصراره على التوافق بين الكتل السنية والشيعية والكردية أجل البت في اسم الوزيرين المرتقبين، وخصوصاً أن هذين المنصبين مثلا نقطة خلاف حادة واتهامات متبادلة بين العرب من سنة وشيعة خلال فترة حكومة رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري.
واذا كان أهل السنة في العراق يظهرون اهتماماً واسعاً باسمي وزيري الدفاع والداخلية القادمين، فان الأكراد غير مكترثين لمن ستؤول هاتان الوزارتان على اعتبار أن الوضع في إقليم كردستان يسير باتجاه الاعتماد الذاتي على القوة الحربية المحلية المتمثلة في قوات «البشمركة» والقوات الامنية أو ما تسمى بـ «الاساييش» وهما قوتان لا تأتمران بالحكومة المركزية ولا بوزارتي الدفاع والداخلية التي ينحصر نفوذهما الحقيقي في المحافظات العربية. أما «التوافق» السنية فهي بحكم الواقع عاجزة فعليا عن عرقلة تسمية أي مرشح تطرحه حكومة المالكي داخل البرلمان لأسباب تتعلق بحجم هذه الكتلة التي لا يتعدى عدد نوابها نائباً أي ما يشكل أقل من سدس عدد اعضاء البرلمان العراقي البالغ عضواً.
إن مراجعة سريعة للأسابيع القليلة التي تلت تسمية رئيس الوزراء الجديد تبين أن المالكي أبدى محاولات جدية لاظهار مواقف وطنية من خلال توجيه اشارات تطمئن الكيانات المختلفة على نية الوزارة الجديدة في الحفاظ على وحدة النسيج العراقي مع تلميحات صارمة تجاه الميليشيات الحزبية التي باتت تمثل سمة الوضع العراقي المتردي.
لقد كان لاشارات المالكي في ادانة مجزرة مدينة حديثة (السنية) والتشكيك في نتائج التحقيق الاميركي لتبرئة قواتهم من التعمد في تنفيذ مجزرة الاسحاقي أثر ايجابي عند العراقيين عموماً والعرب السنة خصوصاً، لا سيما بعد أن أصبح العراقيون بحاجة الان اكثر من أي وقت مضى الى تصريحات حكومية تترفع عن الانتماءات الحزبية والطائفية الضيقة.
نعم، لقد نجح المالكي حتى الآن في إظهار مواقف إيجابية تجاه مختلف أطياف الشعب العراقي، الا أن ما ينتظر المالكي أكبر وأعمق من تشكيل حكومة وتسمية وزراء وتصريحات تدعو الى حل الميليشيات ودعوات الى ادانة او مواقف تشكيك، وقد تكون البصرة التي تعمها الفوضى والانفلات الأمني واحدة من أهم الاختبارات التي تواجهها الحكومة العراقية الجديدة التي سيكون موضوع طريقة اعادة الأمن اليها مؤشراً على مدى حزبية مسار المالكي في التعامل مع الحوادث المقبلة
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1369 - الإثنين 05 يونيو 2006م الموافق 08 جمادى الأولى 1427هـ