قد يعتقد البعض بأن أكثر الأشياء سعياً عبر الزمان والمكان هو المال، لكن الحقيقة هو أن ما يسعى إليه ليس المال، بل ما يوفره المال من قوة. والقوة بالمفهوم المبسط هي قدرة الشخص على التحكم بالآخرين. و هي عادة تأتي على شكل منصب، أي أن يكون الشخص مديراً أو صاحب شركة أو وزيراً. ففي المناصب توجد السلطة للتحكم بمن هم أوطى منك في السلم التنفيذي.
لا عيب في اقتناء المناصب والسلطة. على العكس ونظرياً؛ نقل الأوامر عبر قنوات مرؤوسة ضروري لتنفيذها. ونظرياً أيضاً، يفضل أن يترأس المناصب من هم ذوو كفاءة ومقتدرون. وليس نظرياً ولكن بالأهمية نفسها، يجب أن يتمتعوا أصحاب المناصب والقوة بالتواضع والنزاهة.
الكل سمع عن قضية إنرون وقضية وورلدكوم وقضايا أخرى مشابه، إذ فوجئنا بعدم أمانة و خداع من كنا نعتقدهم من أفضل قادة الشركات. فمجلة «فورتشن» عادة ما كانت تذكر رؤساء شركة إنرون كنث لاي وجفري سكيلنج بأنهم من أفضل رجال الأعمال في العالم. ولكن اتضح في نهاية العام بأن إنرون، تلك الشركة ذات الدخل الذي يفوق مليار دولار، قد مارست احتيالات محاسبة منظمة على مستوى أعلى مناصب الشركة. أعلنت إنرون إفلاسها في نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، و عقب ذلك فقد أربعة آلاف موظف عملهم، بالإضافة إلى خسارة عدد لا يحصى من المستثمرين أموالهم عبر استثماراتهم في صناديق التقاعد وغيرها من محفظات الاستثمار.
كيف يمكن لحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد (لاي) وخريج جامعة هارفرد (سكيلنج) أن يسلكا طريقاً منحرفاً مؤدياً بهم للهلاك بعد مشوار طويل و ناجح في حياتهم المهنية؟ الأمر لا يتعلق بذكاء الشخص أو حتى ما ورد من نجاح كفؤ في أعماله ومشروعاته السابقة. بحسب الكاتب ريتشارد فيجيري الأمر يتعلق بالإدمان على القوة وما توافره من تحكم بالآخرين والأموال والممتلكات، وما يسمع ويكتب... حتى ما يدون ويصمم ضمن حسابات المؤسسة (من «طبخ» الأرقام إلى تشتيتها وفصل بعضها عن بعض عبر شركات أخرى لإخفاء الخسائر.) فهذه شهوة لا تضاهي، تتيح للمدير أو الوزير أو أي صاحب منصب بمحاولة مواصلة اقتناء القوة والشعور بالسلطة الكاملة مهما تطلب الأمر.
فضيحة إنرون حصلت بالولايات المتحدة على رغم كل القوانين والرقابة، فما بالك بما يحدث في بلداننا في الشركات ووزارات الدولة وغيرها من الأماكن التي تعتج بمناصب القوة. إنني لا أقدم الاتهام، بل مجرد أطلب من كل مستثمر ومن كل مواطن بأن يطالب بشفافية أعلى وبضبط القوة عبر أسس تدقيق وتحقيق فعالة في المؤسسات ووزارات الدولة. فالخسارة في الفضائح المالية في نهاية الأمر ليست مجرد مادية، بل ستكون خسارة انعدام الثقة، ونحن كاقتصاد ناشئ لا يمكننا أن نفرط بصدقيتنا بين دول العالم
العدد 1368 - الأحد 04 يونيو 2006م الموافق 07 جمادى الأولى 1427هـ