العدد 1368 - الأحد 04 يونيو 2006م الموافق 07 جمادى الأولى 1427هـ

«المارمولك» الإيراني وخسارة الشيخ الرئيس

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما خسر مصطفى معين في انتخابات الرئاسة الإيرانية التاسعة كانت تخريجة ذلك أن الرجل قد جنح براديكالية فاقعة نحو قوى متطرفة على يسار جبهة الثاني من خرداد، وعندما خسر مهر عليزادة فسر ذلك كنتيجة حتمية لمزاحمته الكبار شئونهم، وعندما خسر علي لاريجاني وقاليباف تم إرجاع ذلك إلى الاهتزازات القوية التي شابت تيار اليمين وبالتحديد في مجلس تنسيق قوى الثورة الذي بات مشتتاً ما بين التقليديين وغير التقليديين وآراء علماء الدين، أما خسارة كروبي فأرجعت إلى تخلي الإصلاحيين عنه حتى من الكيان التنظيمي الذي ينتمي إليه وهو «روحانيون مبارز» في نهايات الجولة الأولى، ليبقى السؤال المحير الذي لايزال يبحث عن إجابة وافية هو: كيف خسر الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني الجولة أمام خصمه التعميري محمود أحمدي نجاد؟

سألت أحد مستشاري حملة هاشمي رفسنجاني ممن يمتلكون إحدى الصحف الرائجة في إيران عن ذلك فقال إنه لا يعلم بالأسباب القطعية لذلك الأمر باستثناء حملات التشويه التي شنت على الرجل وضخ التعبويين لصالح منافسه، بل وحتى الحملة الانتخابية نفسها مازالت تبحث عن لملمة لما حدث، وبالتالي فإن الأمور لم تتضح لهم لحد الآن. سألت أستاذاً جامعياً من طهران عن ذلك فرد بالقول: مثلما فاز الرئيس محمد خاتمي في بنسبة سبعين في المئة لأن منافسه هو ناطق نوري، فإن أحمدي نجاد فاز في الانتخابات لأن خصمه هو رفسنجاني. قلت: لماذا؟ فقال: رفسنجاني لم يعد رقماً مهماً في الشارع الإيراني، بل إن التشويه الذي لحق الإصلاحيين المتطرفين منذ العام ولغاية قد أثار عليه كثيرا.

تكتيك الرفسنجانية

إبان الإعداد لانتخابات الرئاسة التاسعة كان هاشمي رفسنجاني قد اتبع سياسة الانتشار العمودي البطيء، محاولاً الاستفادة من جميع الأوراق التي بحوزته والتي هي بحوزة الآخرين أيضاً. ففي الوقت الذي كان يرتب أوضاعه داخل تيار اليمين عبر «روحانيت مبارز» وشخصيات دينية متنفذة في الحوزة العلمية كآية الله جوادي آملي وآية الله مشكيني وحتى ناطق نوري، أسفرت عن انسحاب أهم مرشحي التيار المحافظ وهم محسن رضائي وعلي أكبر ولايتي وأحمد توكلي من حلبة المنافسة، كان يجري اتصالات حذرة مع القوى الإصلاحية الأخرى من خلال كوادر البناء وحزب العمل الإسلامي، من دون أن يترك مساحة للمفاجآت عندما كان يؤكد أنه لايزال يرغب في أن يتولى شخص آخر من الكوادر الشابة (أو الجيل الثاني) منصب رئاسة الجمهورية في هذه المرحلة. داخل البرلمان كان هاشمي رفسنجاني قد أقام اصطفافاً نيابياً له داخل تيار الأغلبية من المحافظين بينهم أسماء لامعة في قوى اليمين، وكان الهدف من ذلك هو توسيع النشاط له داخل المنظومة التشريعية التي تبدلت في فبراير من العام لإيصال صوته إلى الشارع عبر الأحزاب الممتدة التي ينتمي إليها النواب، والثاني هو إحباط تكتيكات التعميريين الذي شقوا التيار المحافظ إلى سماطين بإصرارهم على ترشيح أحمد نجاد كمرشح وحيد ولم تفلح الوساطات في ثنيهم عن ذلك. وقد أدت تلك النشاطات إلى أن يصمت المعارضون لرفسنجاني من اليمينيين داخل المجلس وخارجه، الأمر الذي أبعد الضوء عن نشاط التعميريين الانتخابي الذين يفتقدون أصلاً لوهج الحضور الرسمي والشعبي معاً آنذاك.

التيارات التي دعمت رفسنجاني في الجولة الأولى والثانية سواء من اليمين أو اليسار كانت تريد من الشيخ الرئيس وضع قوانين جديدة تتميز بالمرونة الدستورية والإدارية، وطرح نماذج وخطط للمشكلات لتحقيق قواعد جماهيرية جديدة وأكثر نشاطاً، وكانت تعي بأنه وفي حال وصول رفسنجاني إلى منصب الرئاسة فإن الرجل سيحدد مستقبل إيران السياسي للسنوات الأربع المقبلة وبصدى قد يستمر سنوات أكثر. إن الإشكال الذي وقع فيه الفرقاء أنهم حصروا المنافسة بين شخصين أو ثلاثة فقط وهم رفسنجاني ومعين وكروبي، متجاهلين أي خيار أو مرشح آخر، وبالتالي فإنهم وفي الجولة الأخرى كان عليهم أن يغيروا الكثير من برامجهم الانتخابية ودعم مرشح لديه خيط رفيع بين هذه الفسيفساء المتبدلة، فتخلى روحانيون عن كروبي ولم يبق أمام المتطرفين من جبهة المشاركة ومجاهدي الثورة الإسلامية سوى تأييد رفسنجاني، لكن الوقت قد أزف وتغيرت الأشياء خلال تلك اللحظات إلى عوالم وتحالفات من نوع آخر، أهمها ظهور بوادر السخط الشعبي على ممارسات الثاني من خرداد وتغير في أولويات المجتمع من الأولويات السياسية إلى الاقتصادية، وخروج أعداد كبيرة من الإيرانيين وبالذات الشباب عن دائرة الشعارات والأمنيات إلى دائرة المطالب المادية والواقعية الحياتية، لأن الطبقات المرفهة والمتوسطة اكتفت في السابق بتأييد الثاني من خرداد في إطار الشعارات والممارسات ذات الكلفة والنتائج المنخفضة الممكن تحملها واستيعابها، لكن فيما يتعلق بالتحديات الحقيقية عالية الثمن التي هي خارج صندوق الانتخابات كانت تلك الطبقات أبعد ما تكون عن الانسجام مع الخرداديين، بل الأكثر من ذلك فيما يتعلق بالتحولات الرأسية هو تأييد بعض التكنوقراط من جبهة الثاني من خرداد لمرشح التعميريين.

كان نشاط الشيخ الرفسنجاني في تلك الانتخابات (باستثناء عدم التوافق في المرحلة الأولى للأحزاب الإيرانية) حذراً ومدروساً ومصاغاً بعناية، بل إن ذلك النشاط كان يمضي مثلما كان الخبراء يتنبأون له ويستشعرونه، فرفسنجاني يدرك جيداً أن العمل السياسي في إيران لا يستقيم إلا عبر تحالفات يتم الاستقواء بها في الممارسة، وربما السقطة الوحيدة التي ارتكبها هي استعانته بالمخرج الإيراني كمال تبريزي صاحب فيلم «مارمولك» الذي تسبب في إثارة جدل غير منتهي في إيران من قبل المتدينين الذين وصفوه بالتجني الفاضح على القيم وعلى رجل الدين.

إذاً، يعود السؤال من جديد: كيف خسر هاشمي رفسنجاني في الانتخابات؟ وأين ذهب مؤيدوه من اليمين واليسار؟ ربما أعود إلى ما قاله الأستاذ الجامعي وهو أن الذي تسبب في خسارة رفسنجاني هو رفسنجاني نفسه، باعتبار أنه لم يعد رقماً مهماً في الشارع الإيراني، وهو ما يجعلني أستحضر حاله في الانتخابات التشريعية السادسة في العام عندما حاز المركز في دائرة طهران، ليبقى السؤال الأكثر أهمية هو: لماذا أضحى الرجل بهذه الصورة لدى الناخب الإيراني وهو الذي صاغ إيران في مرحلة الإعمار، وربما يكون الإصلاحيون المتطرفون هم الأقدر على الإجابة على هذا التساؤل

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1368 - الأحد 04 يونيو 2006م الموافق 07 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً