العدد 1368 - الأحد 04 يونيو 2006م الموافق 07 جمادى الأولى 1427هـ

صيف لاهب وشباب ملتهب

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

على أعتاب الصيف، وبعد خمسة أيام من نشر هذا المقال سنبدأ الإجازة المدرسية، وسيكون السواد الأعظم من أولادنا بمختلف أعمارهم ومراحلهم الدراسية في فسحة مديدة من الوقت، بل هو الفراغ بمعنى الكلمة، فبعد الوقت الذي كانت تقتطعه منهم الدراسة ومعدله ساعات يوميا، وانشغالهم بهمها ومهماتها سيكونون من تاريخ // هـ في إجازة تمتد إلى يوماً، فماذا سنصنع لهم؟

هناك برنامجان يسيران في اتجاه واحد، ويسعيان إلى هدف واحد، أحدهما البرنامج الرسمي الذي تدعمه وتقف وراءه الدولة بمؤسساتها وإمكاناتها، والآخر هو البرامج الأهلية التطوعية التي يتحرك المجتمع فيها نحو أبنائه وأجياله النامية بغية توجيههم وأخذهم إلى الطريق السليم والصحيح.

غالبية البرامج التي شاهدتها في الأعوام السابقة وحضرت بعضها، كانت تركز على الاهتمام بالجوانب الدينية والعقدية العبادية كتعليم الصلاة، والوضوء والطهارة، وكان قسم آخر منها ينصب على تعليم القرآن الكريم وحفظه، كما أن المسابقات وبقية البرامج كانت تنسجم مع الفلك نفسه، وتدور معه وحوله وفيه. وهذه ميزة ميّز الله بها أهل هذه البلاد وغيرها من المناطق التي مازالت تتمسك برسالتها السماوية وتعاليمها الربانية، وتؤكد هويتها وأصالتها برجوعها الدائم والمتواصل إلى أسسها التي يقوم عليها بناؤها وتستمد منها توجيهاتها.

وهنا ثلاثة أمور هي بالنسبة إليّ محل للنقاش والمشاورة مع القارئ الكريم:

- إن البرامج الدينية لن تكون جاذبة ومؤثرة في النفوس ما لم يشعر الشباب أنها تمس واقعهم وتتناغم مع أحاديثهم الداخلية التي تختلج في صدورهم، فالشباب اليوم في بحر هائج ومتلاطم بالأمواج العاتية، آمالهم كثيرة، ومشكلاتهم متعددة وواقعهم يحتاج إلى تفهم ومسايرة عاقلة وحكيمة.

إن البرامج الأخرى والنداءات الخارجة عن فلك الدين والأخلاق تجتذب هؤلاء الشباب عن طريق غرائزهم التي تتفتق في مرحلة الشباب، فتكثف برامجها ونداءاتها الجنسية الصارخة وتهيجها الدائم لهذه الغريزة القوية والشديدة الوطء على الشباب في فترة مراهقتهم، وتركز تلك البرامج أيضاً على إحساس الشباب بقوتهم وعضلاتهم وتباهيهم بأجسامهم، لذلك تكثف برامجها العنفية والإجرامية.

ولأن الشاب يعيش مرحلة من استيقاظ العواطف ضاعفت المحطات الفضائية من مسلسلات الحب العاطفية، ولأي متابع أن يتنقل بين المحطات ليرى أن الطابع الغالب على أكثرها هو الحب والجنس والعنف.

طبعاً لا تستيقظ عند الشاب المراهق في هذه المرحلة هذه الغرائز فقط، بل تتوثب لديه غرائز أخرى أيضاً كغريزة البحث عن الدور والمكانة والأنا والاعتزاز بالرأي والشخصية والإحساس بالرجولة وروح المغامرة والتحدي، وهنا يمكن للبرامج الدينية أن تجتذب الشباب إذا استطاعت أن تلامس واقعهم، ووعت كيف تعزف على الأوتار المناسبة لفائدة هذا الجيل وإرواء عطشه والقرب من غرائزه الطيبة وتوجيهها لخير الشباب وصلاح البلاد.

- جاء الدين أساساً ليهتم بالإنسان وليرشده للجادة السليمة، جاء وكل تعاليمه ناظرة للإنسان وسعادته، جاء لخدمة الإنسان فأنزله منزلة الاستخلاف في الأرض وأخضع قوى الكون له، وهذا ما تشير إليه الآية القرآنية المباركة «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا» (الكهف: )، باعتبار أن سجود الملائكة هو سجود رمزي لقوى الكون أمام عظمة هذا الإنسان الذي كرمه الله «ولقد كرمنا بني آدم» (الإسراء: ).

من هنا علينا أن نتعامل مع الدين باعتباره جاء لهدايتنا وتوجيهنا وخدمتنا، وأنزل وشغله نحن بني البشر، فلا يصح أن نتشاغل به بعيداً عن أهدافه، الدين جاء لينشغل بنا لا لننشغل به، وعليه فهناك الكثير من الجهد الذي يصرف في أمور وقضايا ليست تحديات حقيقية للشباب وليست مورد اهتمام لهم.

ونحن بذلك نستنفذ طاقتنا ونتحدث مع أولادنا وشبابنا في زوايا دينية ليست هي المعترك الحقيقي أمامهم، ولا هي التحديات الماثلة في طريقهم ومستقبلهم، لذلك نرى أن دروسنا التي تدرس قبل سنة تدرس اليوم كما هي من دون زيادة أو نقصان، وذلك قريب من تدريسنا في المدارس لأولادنا عن الزكاة في الإنعام ومتى يكون نصابها؟

وتفصيل ذلك بدقة وكأننا سنخرِّج فقيهاً، ونستهلك منهجنا في القضايا العقدية في مراحل مبكرة وكأن صراعنا هو صراع التوحيد والشرك، مع أننا نعلم أن فساد الشباب في بلادنا العربية والإسلامية ليس بسبب الشرك وعدم التوحيد، بل لعدم تفعيل الدين والتفاعل معه في نواحي الحياة المختلفة، وعدم استصحاب الحالة الدينية من الوضوء والصلاة والمسجد إلى الحياة العملية.

- مهمات الدين في حياة الإنسان كثيرة ومتعددة، ومن تلك المهمات المؤثرة والفاعلة مهمة الدفع نحو تحمل المسئولية والتحفيز لإعمار الأرض، هذه المهمة وغيرها من المهمات هي التي حرضها الرسول (ص) فصنعت من عمار عمّاراً، ومن أبي ذر الغفاري رجلاً يخلد في التاريخ، ومن بلال الحبشي وغيره أبطالاً ساهموا في التغيير والإصلاح وإقامة الصرح الإسلامي الكبير.

الدين جاء لينقذ الإنسان من العبثية ويضعه على خط المسئولية محفزاً عقله وقواه وإرادته نحو أهداف كبرى وغايات مثلى، فكان الدين يصلح نفس الإنسان ويدعوه إلى العبادة، ثم يكمل ذلك بحث الإنسان على دوره في الحياة ومسئوليته التي سيسأل عنها يوم القيامة. هذا التداخل بشأن مسئوليات الإنسان أمام أهله ومجتمعه وبيئته إلى مسئوليات مقدسة ومهمات من صلب الدين ورحم العقيدة فأعطى للعلم قيمة ولخدمة الناس قيمة ودفع الناس لكل عمل صالح «فاستبقوا الخيرات» (المائدة: ).

فهل من طريق ونهج سليم نحول به دروسنا وتوجيهاتنا الصيفية لطلابنا وشبابنا من الجمود المنفر إلى الحراك الذي يزيدهم انجذاباً وثقة بالدين وبالقيم التي نزلت على سيد المرسلين؟

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1368 - الأحد 04 يونيو 2006م الموافق 07 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً