تم استحداث مؤشر حصة الفرد السنوية من المياه واستخدامه دليلاً للإجهاد المائي وربط ذلك بالندرة المائية في العام بواسطة العالمة الهيدرولوجية السويدية مالين فولكنمارك مقياساً لمقارنة المتطلبات الحالية والمستقبلية في مقابل الموارد المائية المتاحة على مستوى دول العالم. وفي تطوير هذا المؤشر تم اعتماد المستوى الأدنى لاحتياجات ومتطلبات الفرد السنوية للاستخدامات المنزلية (الشرب والصحة والنظافة والاستخدامات المنزلية الأخرى)، وتم تقديره بنحو لتر في اليوم، وكذلك للزراعة والصناعة وإنتاج الطاقة الهيدروليكية (ما بين و ضعف هذا المعدل). وبحسب هذا المؤشر، يمثل المعدل متر مكعب للفرد سنوياً من المياه المتجددة الحد الفاصل بين الندرة والوفرة المائية للدول، إذ يبدأ تصنيف الدول على أنها مجهدة مائياً إذا قلت حصة الفرد السنوية فيها عن هذا المعدل، وإذا قلت هذه النسبة عن متر مكعب/ فرد/ سنة، فتصنف البلدان على أنها واقعة تحت حد الفقر المائي، وسينعكس ذلك سلباً على التنمية الاجتماعية والاقتصادية فيها، أما إذا قلت عن متر مكعب/ فرد/ سنة، أو ما يسمى بخط الفقر المائي المدقع/ الحاد، فإن المياه تصبح معوقاً رئيسياً للتنمية ويمكن أن تتسبب في تدني مستوى المعيشة والصحة والبيئة.
وتم تبني هذا المؤشر وتصنيفاته للندرة المائية والإجماع عليه بشكل عالمي من قبل منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات ذات العلاقة بالمياه، ويتم استخدامه بشكل رئيسي لقياس ندرة المياه/الإجهاد المائي في دول العالم، وذلك بسبب سهولة الحصول على البيانات المتعلقة به (كمية المياه المتجددة سنوياً مقسومة على عدد السكان)، بالإضافة إلى، وهذا والأهم، بساطته وسهولة توصيل المعلومة للسياسيين ومتخذي القرار والمخططين وعموم المجتمع غير المتخصص في المياه. وعلى رغم القبول والاعتماد العالمي لهذا المؤشر، فإن هناك الكثير من الباحثين الذين يعتقدون أن استخدام هذا المؤشر لقياس الإجهاد المائي في الدول غير ممثل للواقع الفعلي فيها، إذ إنه يغفل الكثير من الأمور مثل نوعية المياه المتوافرة ما إذا كانت قابلة للاستخدامات المختلفة، والتغيرات الموسمية، والتغيرات المكانية وخصوصاً في الدول كبيرة المساحة، والعلاقة بين توزيع السكان وموقع الموارد المائية، وعدم احتساب قدرة الدول على التكيف مع الندرة المائية من خلال الوسائل الاقتصادية والتقنية مثل بناء محطات التحلية وإعادة استخدام المياه المعالجة. أضف إلى ذلك أن حجم هذا المؤشر وتصنيفاته يعتمدان بشكل كبير على كمية المياه المطلوبة لإنتاج الغذاء وليس على كمية المياه المطلوبة للاستخدام المنزلي والتي تعتبر صغيرة جداً مقارنة بالسابقة. إلا أن الاستخدام النسبي لهذا المؤشر يظل مفيداً لقياس الوضع العام للإجهاد المائي في الدول وتتبع وتحليل تطورها مع الزمن والوصول إلى استنتاجات مفيدة لإدارة الموارد المائية.
وسنجد أنه عند تطبيق هذا المؤشر إقليمياً على مستوى دول مجلس التعاون أن متوسط حصة الفرد في المنطقة للعام بلغ نحو متراً مكعباً في السنة، وتراوح ما بين متراً مكعباً/ سنة في سلطنة عمان، و متراً مكعباً/ سنة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أي أن جميع دول المجلس تقع تحت خط الفقر المائي المدقع/الحاد ( متر مكعب/ سنة). وطبعاً، يرجع ذلك لعاملين: الأول الموقع الجغرافي لدول مجلس التعاون في النطاق الجاف، والثاني عدد السكان فيها.
وبتطبيق هذا المؤشر محلياً في مملكة البحرين وتتبع تطوره تاريخياً، سنجد أن هناك انخفاضاً مستمراً لحصة الفرد من المياه الطبيعية والمتمثلة في التغذية الطبيعية للمياه الجوفية الواردة من المملكة العربية السعودية والبالغة نحو ملايين متر مكعب سنوياً. ففي العام كانت حصة الفرد من هذه المياه نحو متراً مكعباً/سنة، انخفضت إلى حوالي متراً مكعباً/سنة في ، ثم إلى متراً مكعباً/سنة في ، وفي العام وصلت إلى متراً مكعباً/سنة. ويعكس هذا الانخفاض الحاد ثبات الإيراد المائي الطبيعي السنوي في مقابل نمو سكاني متسارع، إذ كان عدد سكان المملكة في العام نحو ألف نسمة وأصبح في العام نحو ألف نسمة.
وفي دول مجلس التعاون درج الباحثون على اعتبار المياه المحلاة (وفي بعض الأحيان المياه المعالجة، إلا أن هناك بعض التحفظات والإشكالات في عمل ذلك) جزءاً من المياه الواردة سنوياً وإدراجها ضمن المياه المتجددة، إذ يمثل توفير هذه المياه غير التقليدية تكيف دول المجلس واستجابتها لمشكلة الندرة المائية وتخفيف الإجهاد المائي. وإذا تم إدراج المياه المحلاة في هذه الحسابات، فإن حصة الفرد في البحرين للعام تصبح نحو متراً مكعباً/ سنة (مقارنة بـ متراً مكعباً/ سنة بدون المياه المحلاة)، وللعام انخفضت إلى نحو متراً مكعباً/ سنة (مقارنة بـ متراً مكعباً/ سنة من دون المياه المحلاة). أي أنه على رغم الجهود المضنية المبذولة من قبل المملكة لملاحقة المتطلبات المائية المتصاعدة ورفع إنتاج المياه المحلاة بمعدل بلغ نحو متر مكعب للفرد/ سنة في السنوات العشر الماضية، فإن الزيادة السكانية أتت على هذه الزيادة، واستمرت حصة الفرد من المياه في الانخفاض.
ويبدو أن الوضع سيستمر على هذه الحال لفترة طويلة، طالما كان معدل النمو السكاني يفوق معدلات قدرة المملكة على زيادة إنتاجها من المياه غير التقليدية، وإذا لم يتم تخفيض أو تعديل معدل النمو السكاني العام في المملكة. كما أن المسألة المائية في المملكة لا تنحصر فقط في كمية المياه المطلوبة وفي كيفية توفيرها ومن أي مصدر يتم جلبها، وإنما هي أساساً في كمية المياه المتوافرة وفي كيفية استخدامها بالشكل الأمثل والكفاءة الأعلى، أي في قدرة المملكة على التكيف مع مشكلة الندرة المائية.
ولا يملك المرء، والوضع على هذه الحال، إلا أن يتساءل: ماذا ستكون حصة الفرد في المملكة في العشر أو العشرين سنة المقبلة إذا ما استمر النمو السكاني بمعدلاته المتوقعة؟ وما هي تأثيرات الانخفاض المستمر في حصة الفرد من المياه على التنمية وعلى القطاعات المستهلكة للمياه؟ وهل سيستطيع المسئولون عن المياه في المملكة أن يوفروا المياه المطلوبة بالمعدلات المطلوبة من دون التدخل في النمو السكاني أو في أنماط الاستهلاك الحالية؟
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 1367 - السبت 03 يونيو 2006م الموافق 06 جمادى الأولى 1427هـ